في يوم الجمعة 10 مايو 1940، اعطى الملك الضؤ الاخضر لونستون تشرشل لكي يكون حكومة الحرب ضد هتلر ، خصوصاً والوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي كان ماساوياً في بريطانيا العظمى ، مشابهاً للوضع الكارثي في السودان حالياً ، وقع الحافر على الحافر .
في يوم الاثنين 13 مايو 1940 ، القى تشرشل في مجلس العموم ما صار يُعرف بخطبة :
"blood, toil, tears and sweat"
اي خطبة الدم والكد والدموع والعرق ، التي دخل بسببها تشرشل التاريخ من اوسع ابوابه ، وصارت الخطبة مرجعية وروشته للنصر والانتصار والنجاح ، وسارت بها ولا تزال تسير بها الركبان في رياح الدنيا الاربعة .
حذر تشرشل اعضاء البرلمان بانه ليس عنده ما يقدمه لهم وللشعب البريطاني غير الدم والكد والدمع والعرق ، بمعنى آخر الكد والجد والعمل ثم العمل ثم العمل لبلوغ النصر وتحسين الوضع الاقتصادي المتهالك في بريطانيا ، عندما كان الناس يحملون النقود في درداقات عند الذهاب لشراء قفة الملاح .
في خطبته ، لم يطلب تشرشل مساعدات مليارية من الخارج لدعم الواردات ، ودعم الاقتصاد ، وتثبيت سعر صرف الجنيه الاسترليني . بل طلب من شعبه ان يشمر عن سواعده ، ويستعد للعمل ، فليس لتشرشل من وصفة سحرية يقدمها لشعبه للنصر الا العمل الجاد .
وردت في القرآن الكريم 360 آية تحدثت عن العمل ، نذكر منها مثالاً وليس حصراً الآية 105 في سورة التوبة :
... وقل اعملوا ...
تدعونا الآية 61 في سورة هود لان نعمر الارض بالعمل الجاد المتقن والمثمر .
قالت :
... وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ... ودعنا المعصوم لان نتقن اعمالنا ، ونبتعد عن الكلفتة والخرمجة وشغل عدي من وشك . قال : إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ.
اكدت لنا تداعيات السيول في الايام الماضية هشاشة البنيات التحتية ، لاننا ببساطة لا نطبق هذا الحديث الشريف في حياتنا وأعمالنا ؟
تصريح رئيسنا المفدى حمدوك ؟
في يوم السبت 24 أغسطس 2019 ، تسعة وسبعون عاماً على خطبة تشرشل التي صارت المرجعية الحصرية للنجاح والنصر والانتصار ، اكد سعادة الرئيس الشعبي حمدوك ان السودان يحتاج خلال العامين المقبلين من الفترة الانتقالية الى مساعدات خارجية بقيمة عشرة مليار دولار ، منها ثمانية لتغطية الواردات وبناء الاقتصاد المتهالك ، وملياري دولار كودائع يتم وضعها في بنك السودان لدعم الجنيه السوداني وايقاف تدهوره .
بعكس تشرشل الذي اعتمد على شعبه وكده وجده وعمله للخروج من عنق الزجاجة ، وجدنا رئيسنا المفدى يحلم بمساعدات مليارية خارجية في هذا الزمن الردئ الذي راينا فيه الشعب التركي المسلم يطرد بقوة السلاح ، اللاجئين السوريين الذين استجاروا به.
هذه ايام بئيسات ، نرى فيها انهيار اكثر من 21 الف منزل في محليتي ام رمته والسلام في ولاية النيل الابيض ، ونرى المواطنين ينامون في الطين والوحل ، واغنامهم تنفق بالالاف ، وزرعهم وقد صار في خبر كان ، ويموت اطفالهم بالاسهالات المعوية نتيجة شربهم مياه الامطار المتلوثة . في هذا العالم الذي صار قرية صغيرة بفضل الانترنيت ، لم تهب دولة خارجية او منظمة اغاثة خارجية لاغاثة وإسعاف مواطني محليتي ام رمته والسلام .
والحال هكذا ، وهي كذلك ، فكيف يتوقع سعادة رئيسنا المفدى حمدوك ان تهرول الدول وتقدم عشرة مليارات من الدولارات خلال السنتين المقبلتين لدعم واردات السودان .
نعرف ان حلم الجيعان عيش ، وليس هناك دولة او دول او مؤوسسات مالية سوف تتبرع بعشرة مليار دولار للصرف على واردات السودان حتى لو كانت بترول وقمح وادوية ، وليس كريمات تبيض البشرة وما شابهها من كماليات للاقرع السوداني ونزهي .
يعرف سعادة رئيسنا المفدى حمدوك اكثر مننا نحن العنقالة في امور السياسة والاقتصاد الدوليين وهو الخبير بجدارة وامتياز فيهما ، ان الزمن زمن مصالح متبادلة ، واحلق لي واحلق ليك ، وشيلني واشيلك .
دعنا نستعرض الدول والمؤوسسات التي تعودت على تقديم العون والمساعدات الخارجية للسودان ، والمتاريس الحالية امام هكذا مساعدات خارجية ، خصوصا وقد اكد سعادة رئيسنا المفدى حمدوك بانه لن يقبل باي اكرر باي شروط لقبول هكذا مساعدات خارجية ... يعني يطلبها مساعدات لوجه السودان المتوضئ ، واكراماً لعيون مواطنية العسلية .
نبدأ بالاتحاد الاوروبي .
دعنا نشير ، مثالاً وليس حصراً ، لاتفاقية كوتونو ، عاصمة دولة بنين في غرب افريقيا ، الخاصة بعون الاتحاد الاوروبي لمجموعة الدول الافريقية – الكاريبية- الباسفيكية البالغ 420 مليون ايرو في السنة . رفض السودان المصادقة على هذه الاتفاقية ، لان مادتها الحادية عشر تنص على التعاون مع محكمة الجنايات الدولية كشرط للاستفادة من منح وهبات ومساعدات الاتفاقية . صار السودان غير مؤهل لتلقي منح وهبات ومساعدات الاتحاد الاوروبي في اطار اتفاقية كوتونو .
رفض السودان المصادقة على اتفاقية كوتونو لان هكذا مصادقة تعني إنفاذ امر القبض الصادر من المحكمة ضد الكوزجويد المتمسلم البشير ، وكان ان خسر السودان 420 مليون ايرو كل سنة منذ عام 2009 ، عام صدور امر القبض ، اي اكثر من 4 مليار ايرو .
في هذا السياق ، اكد الرئيس البرهان ان نظامه لن يسلم الكوزجويد البشير لمحكمة الجنايات الدولية ، وبالتالي لن يصادق على اتفاقية كوتونو ، وبالتالي لن يستفيد من منح وهبات ومساعدات الاتفاقية المالية .
ولكن سوف يستمر الاتحاد الاوروبي في دفع ملايين الدولارات لشخص حميتي لتساعد قواته للدعم السريع في اصطياد والتنكيل بالهجرة الافريقية غير القانونية عبر السودان لدول الاتحاد الاوروبي .
في المحصلة ، لن يهرول الاتحاد الاوروبي لدفع عشرة مليارات دولار ، او دولار منها ، لسعادة رئيسنا المفدى حمدوك للصرف على واردات السودان ، وفيها كريمات تبييض البشرة .
ونستمر مع الدول الخليجية .
في يوم الاحد 21 ابريل 2019 ، اعلنت السعودية والامارات دعمهما للسودان بعد الاطاحة بالكوزجويد البشير بثلاث مليار دولار ، وتم ايداع 250 مليون دولار كوديعة في بنك السودان من السعودية وكذلك من الامارات .
لاحظ وديعة ، وهي مستردة اذا لم يسمع البرهان الكلام ... وهي ليست هبه او منحة غير مستردة .
كان شرط السعودية والامارت الذي حمله للمجلس العسكري الانتقالي الفريق طه عثمان الحسين في ابريل 2019 استمرار المجلس العسكري الانتقالي في السلطة المطلقة لمدة تسعة اشهر ، يتم بعدها عقد انتخابات صورية لتنصيب حميتي رئيساً مطلقاً للسودان ، في استنساخ كوبي بيست للنموذج السيساوي .
اتت الرياح بما لا تشتهي سفن السعودية والامارات ، وظهرت حكومة حمدوك المدنية التي سوف تنادي بالديمقراطية والانتخابات النزيهة الشفافة وسلطة الشعب وبسط الحريات ... وهذه وتلك من المحرمات في السعودية والامارات .
وعليه فان الدول الخليجية سوف لن تضيع دولاراً واحداً لبناء الديمقراطية وبسط الحريات واحترام حقوق الانسان حسب شعار الثورة السودانية :
حرية سلام وعدالة .
قال لسان حال الدول الخليجية :
باي باي حمدوك . ولكن سوف تستمر السعودية والامارات في الدفع لحميتي مقابل الدم السوداني في اليمن وليبيا . في المحصلة ، لن تهرول الدول الخليجية لدفع عشرة مليارات دولار ، او دولار منها ، لسعادة رئيسنا المفدى حمدوك للصرف على واردات السودان ، وفيها كريمات تبييض البشرة .
5 – ادارة ترامب ؟
تعرف يا حبيب ان ترامب مغرم بالطواغيت ، ويحب المستبدين على شعوبهم ، ويتحالف مع النظم الخاشوقجية ... ببساطة لان هؤلاء وهؤلاء يسمعون الكلام . اما حكومة حمدوك الديمقراطية التي يسيطر عليها الشعب السوداني فلا محل لها من الاعراب في قاموس ترامب .
لن تستطيع ادارة ترامب تقديم دولار واحد من هذه العشرة مليار دولار التي يحلم بها سعادة رئيسنا المفدى حمدوك ببساطة لان السودان لا يزال في قائمة وزارة الخارجية الامريكية السوداء التي تحتوي على الدول الداعمة للارهاب . ولن يتم شطب السودان من هذه القائمة ورئيس وعدد من اعضاء المجلس السيادي من العسكريين في القائمة السوداء الامريكية، لولوغهم في ابادات دارفور وجنوب السودان الجماعية .
في المحصلة ، لن تهرول ادارة ترامب لدفع عشرة مليارات دولار ، او دولار منها ، لسعادة رئيسنا المفدى حمدوك للصرف على واردات السودان ، وفيها كريمات تبييض البشرة .
6- صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؟
اما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي ذكر سعادة الرئيس حمدوك بانه سوف يتفاوض معهما بخصوص العشرة مليار دولار ، فنعرف انهما قد اوقفا التعامل مع السودان من سنين ، لتواجد السودان في القائمة الامريكية السوداء ... فهما ، الصندوق والبنك ، اسيرتان للقرار الامريكي بحسب نظامهما الحاكم .
ثم كيف يتعاونان مع السودان وقد تجاوزت مديونته حاجز الستين مليار دولار، ولا يستطيع دفع حتى فوائد هذا الدين السنوية .
واخيراً وليس آخراً ، فقد اكد سعادة الرئيس حمدوك بانه يرفض اي شروط مقابل تقديم جزء او كل العشرة مليار دولار التي يخطط للحصول عليها ، ونعرف شروط الصندوق والبنك كجوع بطوننا .
في المحصلة ، لن يهرول صندوق النقد الدولي ولا البنك الدولي لدفع عشرة مليارات دولار ، او دولار منها ، لسعادة رئيسنا المفدى حمدوك للصرف على واردات السودان ، وفيها كريمات تبييض البشرة .
7- البنوك الدولية ؟
واخيراً نختم بالبنوك العالمية ، ونذكرك يا حبيب ، بانه في يوم الثلاثاء فاتحة يوليو 2014 ، وافق البنك الفرنسي "بي إن بي-باريبا" على دفع غرامة مالية تقدر بـ6.45 مليار يورو للحكومة الأمريكية ، بعد أن اعترف بعدم احترامه لقانون فيدرالي أمريكي يمنع التبادلات التجارية والصفقات المالية مع ثلاث دول وهي كوبا وإيران والسودان.
في المحصلة ، لن تهرول البنوك العالمية لدفع عشرة مليارات دولار ، او دولار منها ، لسعادة رئيسنا المفدى حمدوك للصرف على واردات السودان ، وفيها كريمات تبييض البشرة .
إذن من اين يتوقع حمدوك وصول العشرة مليار دولار ، خصوصاً والسماء لا تمطر دولارات ؟
نقول وان كان حمدوك ادرى وافهم وانصح واوعى ، بان العشرة مليار دولارلن تاتي من المساعدات الخارجية كما حلم حمدوك كحلم ليلة صيف ، وإنما سوف تاتي من الانتاج الداخلي .
الحصة خلال الفترة الانتقالية ... إنتاج ثم انتاج ثم انتاج .
العامل يعمل كل يوم عشرة ساعات بتركيز واخلاص بدلاً من ثمانية بدون تركيز وعدي من وشك .
المزارع يبقى في مزرعته وقتاً اطول ويتفوق على نفسه في مضاعفة انتاجه .
المعلم يتقن عمله الرسمي بدون تسيب ويقدم حصص اضافية مجانية لضعاف الطلاب .
ويمكنك مد الخط على استقامته حتى يصل اليك يا حبيب فتخلص في عملك وتجوده حتى يستطيع حمدوك الحصول على 10 مليار دولار خلال السنتين القادمتين .
ليس هناك طريقة اخرى لمساعدة حمدوك الحصول على عشرة ملياراتيه الدولارية ؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة