ما تم الاتفاق عليه بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري حول الوثيقة السياسية ثم الدستورية، لا تلبي طموحات الثورة السودانية والثوار، لكن هذا الاتفاق على أقل تقدير يمهد لمرحلة جديدة يمكن أن تعالج فيها كثير من المشكلات التي اقعدت بالبلاد سنينا طويلة -كقضايا الحرب والسلام والفقر والتهميش وغيرها. وهذه القضايا اطلاقا لا تعالج إلا بوضع دستور دائم يجيب على سؤال مهم وهو كيف يحكم السودان وليس من يحكم! وبينما القوى التي مثلت الثوار مع المجلس العسكري الجنجويدي تبذل اقصى الجهود لإخراج البلاد من أزماتها ومشكلاتها المعقدة، فجأةً ظهرت طفيليات سياسية لا تفكر إلا بمنطق الربح والخسارة، ولا تنشط إلا في أجواء الحصص المناطقية والجهوية المدمرة، لتعترض على ما تم الاتفاق عليه بحجج هي نفسها غير مقتنعة بها. الجبهة الثورية التي يقودها مني جبريل عقار، وهي جزء أصيل في قوى إعلان الحرية والتغيير وموقعة على وثيقتها، انتقدت وثيقة ”الإعلان الدستوري“، الموقَّعة الأحد 4/8/2019م، بين المجلس العسكري الانتقالي، وقوى الحرية والتغيير، مشيرة إلى أن ورقة ”أديس أبابا“ للسلام لا تقبل التجزئة. وقال “مني أركو مناوي“ رئيس الجبهة الثورية، في تغريدة على ”تويتر“، اليوم الأحد، إن “الثورية وبعد اجتماع مطول كوّنت لجنتين، سياسية وقانونية للتعاطي مع الموقف الجديد والرد على الاتفاق الذي رفض السلام بالشكل القاطع". وكتب جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة المسلحة، في تغريدة عبر حسابه على موقع ”تويتر“ اليوم الأحد، إن “قضايا محورية في وثيقة الجبهة الثورية السودانية لم تجد طريقها إلى الوثيقة الدستورية التي وُقّعت، صباح اليوم الأحد، بالأحرف الأولى". وبالموقف أعلاه نكتشف عزيزي القارئ، حالة من التناقض السياسي التي تسيطر على الجبهة الهلامية التي يقودها مناوي عقار جبريل، تتظاهر بالديمقراطية وترفع شعار الحرية والعدل والمساواة، وتتشدق بالثورة السودانية ثم نفاجأ بالنقيض تماما، برفضها ما تم الاتفاق عليه بين القوى الممثلة للثورة والعسكري الجنجويدي. انها مصالح شخصية دون النظر للأهداف التي قامت الثورة من أجلها. التطلع إلي غد أفضل يتسم بالعدل والمساواة والحرية والديمقراطية، حق مشروع لكل السودانيين بمختلف اطيافهم السياسية وفقا للمنافسة الحرة النزيهة بعيدا عن أي حصص سياسية أو نعرات عصبية او شعارات لامعة لكنها كاذبة. لكن الجبهة الثورية وهي ليست بثورية ولا شيء، بل تنظيم كرتوني هزيل بعيد عن هموم الوطن وقضايا المواطنين الذين يزعم هو تمثيلهم، وترك أعضاءه لأنفسهم العنان لقضاء مصالحهم الخاصة والشخصية وتوزيع مساعدات الأطفال واللاجئين بين الشلة والأصدقاء والأبناء دون التفكير في اللاجئين بمعسكرات اللجوء والنزوح بدارفور والنيل الأزرق. خرجوا الآن من مخابئهم النائية ليرفضوا الوثيقة الدستورية، ليس لأن الوثيقة لم تتطرق لقضايا الحرب والسلام كما يزعمون، لكن لأنها لم تتضمن المقاعد السيادية والتنفيذية والتشريعية التي طالبوا بها عندما التقوا بوفد قوى إعلان الحرية والتغيير بأديس أبابا. إذا كان هؤلاء، أصحاب قضية فعلا ويهمهم معاناة النازحين واللاجئين في معسكراتهم، لكان اتخذوا الموقف الصحيح الذي اتخذته الحركة الشعبية لتحرير السودان من مجمل الأحداث السياسية في السودان، وهو الوقوف مع الشعب السوداني في ثورته المجيدة، والانتظار حتى تشكيل حكومة مدنية ومن ثم الإعلان عن الموقف النهائي بناء على المفاوضات التي ستتم بينها والحكومة المدنية الجديدة حول قضايا الحرب والسلام في السودان. لكن هؤلاء والكل يعرف انهم أصحاب كروش ومصالح شخصية، يعيشون حالات من الصراعات الطاحنة ويعانون من فوضي عارمة ستعجل من اختفائهم تماما من المشهد السياسي السوداني حتى قبل تشكيل الحكومة المدنية الجديدة. وتأسيسا ننصح الجبهة الثورية وهي ليست ثورية كما قلت، أن تعيد النظر من جديد في أسباب نشأتها أصلا ووجودها الآن، ذلك أن الشارع السوداني لا يقبل الرأي المزيف ولا يتحمل مسلسل الكذب المستمر، ومن يعتقد أنه يستطيع استحماره واستغفاله، فهو واهم، فالسودانيون بعد الثورة يفرقون بين الصادق والكاذب، وبين من ينتصر لهم ومن ينتصر لنفسه. لكن السؤال المهم بعد أن أهملت الوثيقة الدستورية تضمين بند المحاصصة التي تمثلت حسب ما صرح بها أحمد تقد لسان، كبير مفاوضي حركة العدل والمساواة للصحف السودانية قبيل التوقيع على الوثيقة الدستورية، هو، ماذا ستفعل الجبهة الثورية الآن.. هل ستنضم رسميا للثورة المضادة التي يقودها الإسلاميين والمؤتمر الوطني والطفيليات السياسية الأخرى التي لا تعيش إلا في البيئة السياسية الموبوءة بالفساد والنفاق، أم ما الخطوة المقدمة.. سؤال ينتظر الإجابة من عقار وأصحابه؟ الموقف الصحيح عزيزي القارئ إزاء ما تم التوصل إليه بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس الجنجويدي هو التريث وعدم الإسراع في اطلاق الأحكام الجزافية لجنجويدية المرحلة، بل يجب إعطاء الفرصة للحكومة المدنية التي ستدير البلاد في الفترة الانتقالية والدخول معها في مفاوضات حول كل القضايا الواردة في الوثيقة الدستورية وغير المضمنة فيها ومن ثم الحكم عليها بالفشل أو النجاح واتخاذ القرار الصحيح الذي يمكن تبريره للرأي العام.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالغني بريش فيوف
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست