. كعادته مزج الباشمهندس عمر الدقير ما بين الشعر والنثر فأتحف حضور المؤتمر الصحفي بالدرر.
. ليس من عادتي أن أطلق العنان للمشاعر في الشئون العامة، وغالباً ما أصر على التحسب وأتجنب الكلام الإنشائي.
. لكن الدقير أجبرني على منح فسحة لهذه المشاعر لإعتبارات عديدة.
. أولها أن ما جرى في بلدنا في الأشهر الماضية من تفاصيل وآلام وأحزان، تقابلها في الجانب الآخر إبداعات ثورية وسلوكيات راقية لابد أنها حركت الحجر والشجر دع عنك نحن البشر.
. وثانيها أن الدقير لم يكن مجرد سياسي يطلق كلاماً عاطفياً ليثير حماستنا ويكسب تعاطفنا.
. بل قدم الرجل دروساً عملية طوال الفترة الماضية هو والكثير من شباب تجمع المهنيين وقوى الحرية.. قدموا دروساً في الوطنية والارتباط بالبلد وأهله.
. ليس سهلاً أن يقنعنا سياسي بما أستطاع أن يقنعنا به الدقير والعديد من رفاقه في الكيانيين.
. لهذا عندما تابعت مشهد بكائه بعد التوقيع بكيت معه لأننا فقدنا جميعاً شباباً زي الورد كنا نتوق لأن يشهدوا معنا ثمرة ما ناضلوا من أجله.
. بكيت مع الدقير لأنني ربما لأول مرة ألمس صدق مشاعر سياسي سوداني.
. فقد (خنقته العبرة) مع بداية كلمته، ولم يستطع السيطرة على مشاعره بعد الإنتهاء مهر الاتفاق.
. قارنت حالته بحالة بعض من أطلقوا الابتسامات أمام الكاميرات رغم أن مواقفهم بعد ذلك كانت ضد ما تم، فأدركت الفرق بين سياسي وآخر.
. المشهد كان مهيباً ومؤثراً جداً.
. وبالنسبة لي شخصياً لا يضاهي مثله في الأثر سوى مشهد دخول قطار عطبرة وهو يحمل أولئك الثوار الجسورين إلى مكان الاعتصام.
. يومها أيضاً لم أستطع مغالبة دموعي وأنا أشاهد ذلك المنظر المهيب وأستمع في ذات اللحظات لصوت العطبراوي المجلجل وكأن صاحبه يمشي بين الثوار في تلك الأثناء.
. رحم الله حسن خليفة العطبراوي وتقبل جميع شهدائنا في عليين بإذنه.
. أجمل ما قاله الدقير وأستوقفني في كلمته هو عبارة " البوصلة الأخلاقية غير المعطوبة" التي يفترض أن يتميز بها الخبراء ذوي الكفاءة الذين يفترض أن يقع عليهم الاختيار لقيادة البلد في المرحلة الانتقالية.
. كان رأيي دائماً أن المؤهل الأكاديمي لا يكفي من يعمل في مجالات مثل الإعلام.
. وكتبت مراراً أننا بحاجة لإعلاميين ذوي خلق قويم وتنشأة سليمة، وبغير ذلك لا يمكن أن يكونوا قادة رأي.
. فعندما يقود الرأي من يفتقدون البوصلة الأخلاقية التي تحدث عنها الدقير تكون النتيجة هو ما عايشتموه طوال الثلاثين سنة الماضية.
. وكثيراً ما رددت أيضاً أنه يستحيل لأي أمة أن تنهض في وجود إعلام غير نزيه يفتقر للصدق ولا هم له سوى الكسب.
. وقد رأيتم جميعاً ما فعله بعض أرزقية الإعلام بنا وبوطننا، حيث زينوا للمجرمين واللصوص والقتلة جرائمهم طوال سنوات حكم الكيزان.
. ولأن المرحلة القادمة بالغة الدقة والصعوبة فهي تتطلب أصحاب البوصلة الأخلاقية في كافة القطاعات حتى نتمكن من العبور بوطننا ونصل به للمكانة التي يستحقها.
. وأرجو ألا ننخدع ولو في شخص واحد ممن سيقع عليهم الاختيار.
. لا يكفي أن تكون دكتور أو بروف، فما أكثر الدكاترة و(البروفات) عديمي المواقف الذين تماهوا مع نظام الطاغية (الساقط) حتى وإن لم يكونوا من حزبه.
. ولهذا ننتظر ظهور شخصيات محترمة (مالية مراكزها).. شخصيات ذات مواقف مبدئية وتربية قويمة حتى نضمن معافاتها من العقد والإشكالات النفسية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة