إن لم نؤمِن جميعاً بما فينا قوى الحرية والتغيير وكذلك المجلس العسكري الإنتقالي بأن بعض القيَّم المقدسة لا يمكن أن تتجزأ ، وهي في واقع الأمر من الواجب والطبيعي أن تكون (مُطلقة) بلا إستثناء لإرتباطها بمبدأ (المشاركة) في المصلحة ، فإن الإنتظار والركون على ما نحن عليه الآن أوجب من المسير في درب ثورة تريد أن تضع لنفسها قيّماً هشة وجديدة ومبتورة ومشوَّهة لما إتفق عليه المد البشري منذ الأزل عبر كمٍ هائل من التجارب والمرارات والمشقة ، لا حاجة للسودان وشعبه (بشعار) مُزيَّف وفضفاض ومخادع تُحيطه الورود والهتافات والمنابر المزركشة بالتدليس واللعب على الذقون .
الثورات الشعبية الأشهر عالمياً على مد التاريخ ، لا يستطيع أن يستبعد كائناً من كان مبدأ العدالة وسيادة القانون من قاموس مطالبها ، وهو بالطبع حقٌ مطلق للشعب على الحاكم ، وحقٌ لا يقبل التنازل للغني على الفقير والعالم على الجاهل والمرأة على الرجل والطفل على الكبير والضعيف على القوي ، المساواة أمام القانون والرضوخ والإذعان للإمتثال بين يديه هو الفارق الفيصل بين الديمقراطية والإستبداد وبين العدالة والظلم وبين الحق والباطل .
أتأسف اليوم وبعد كل ما حقَّقناه عبر مسيرة التجارب النضالية السياسية والمهنية والمجتمعية من أجل رفد ثقافتنا السودانية الفطرية بالجديد المُشرِّف من القيَّم التي رفعت من شأنها الأديان والفلسفات والتجارب البشرية ، أن أكتب اليوم وتقرأون أنتم مقالاً عن أهمية سيادة القانون على الجميع بما في ذلك رأس الدولة وأذيالها ، فإن صح ما تسرَّب من أخبار أن واحدة من نقاط الخلاف بين مفاوضي قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الإنتقالي هي محاولة إقحام حصانة إجرائية وموضوعية لمجلسي السيادة والوزراء ضد التحقيق والمثول أمام المحاكم ومن ثم تطبيق القانون في حال ثبت عليهم التعدي على القانون والدستور ، وجب الآن أن نتوقف للتأمل فيما نخوضُ فيه ولو للحظة ، فالتغيير الذي لا يستصحب فكرة العدالة المُطلقة بين طياته ويضع أسباب ترهُّلها وتمييعها عبر الإستثناءات والحصانات والمزايدات والمجاملات لا يلزم ولا يعني الشعب السوداني الذي ضحى بالغالي والنفيس في شيء .
ما يطرحه موضوع الحصانات في هذه المفاوضات التي أصبحت بالأحرى (مُماطلات) تحتاج في تفسيرها وتحليلها إلى فِطنة رجل الشارع التي طالما أثبتت تفوُّقها على التوقُّعات ، لتتجَّلى له في بساطة محتوى المثل السوداني (الفي قلبو حُرقص براهو بِرقُص) ، مُضافاً إليه مثلٌ آخر يُعبِّر عن الحِرص والحذر من مآلات ما تضطلع به من أقوالٍ وأفعالٍ سبقت (تسوي بي إيدك يِغلب أجاويدك) ، المساواة بين الجميع أمام القانون وسيادته وبالأخص في أعلى مستويات الحُكم والنفوذ والسلطة في الفترة الإنتقالية وما بعدها مبدأ لا يقبل الطرح للتفاوض ناهيك عن التنازل .. وسيقول الشعب السوداني كلمته في هذا المعترك مراتٍ عدة كما عوَّدنا دائماً وبالتأكيد جميعنا له مُنصتون وصاغرون . هيثم 2.jpg
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة