العوارة في اللغة الدارجة تعني العبط .. الكيزان قبل سقوط البشير استخدموا أسلوب العوارة.. على سبيل المثال : خطابات نحن علمناكم الهوت دوقز.. وعندما دخلت مجموعات الدعم السريع منطقة بري الدرايسة .. ظهر فيديو فيه تهليل وتكبير وكأن القوات فتحت حلايب وشلاتين.. في المقابل عرفت الجماهير هذا الأسلوب فاستخدمت بدورها منطق العوارة مثل كلمات مدنياااو ..ومثل هتافات وي وي وي ... وغيرها من العوارات..وهكذا تم تبادل أسلوب العوارة في هذا الصراع... مع ذلك فهذا الأمر جدي جدا وليس مزحة .. فالحرب النفسية تعتمد بشكل أساسي على هذا النوع من أسلحة تحطيم معنويات العدو....وهو نوع قديم جدا من أسلحة الحرب النفسية حيث يعتمد على استفزاز العدو بالسخرية والاستعباط ..وقد قال الشيخ فرح ود تكتوك : العوير ما تهاظرو... وهذه حكمة هامة جدا .. ذلك أن العوير عموما لا يردعه رادع قيمي أو وعي بالمثل وهكذا فكل خصم يحاول اثبات عوارته للطرف الآخر. فمثلا قوى التغيير استمرت في تعنتها أثناء المفاوضات السابقة وكلما حصلت على حصة جيدة رفضتها على أساس الجماهير المعتصمة بل ورفضت الوساطات المتعددة.. في المقابل قام المجلس العسكري بإخلاء القيادة من المعتصمين وهكذا شعرت قوى التغيير بأنها صارت ضعيفة وأكد العساكر ذلك بتطنيش محاولات قوى التغيير للعودة للمفاوضات بعد تقديم تنازلات كبيرة.. ولما أسقط في يدها تم اعلان مليونية ثم تأخيرها قليلا ثم أن قوى التغيير خشيت ألا يخرج الناس فأمرتهم بالذهاب إلى منازل الشهداء الأربعة .. غير ان الجماهير خرجت.. وهكذا عادت الثقة قليلا لقوى التغيير وطالبوا بمفاوضات مباشرة بعد ان كانوا رافضين لها... ولأن حرب العوارة غير مضمونة العواقب فقد قبلت بالتفاوض بشروط بائسة جدا مثل اعادة الانترنت. ولم يقدم المجلس أي ضمانات لها ولكنهم ذهبوا واجتمعوا به. إذن فالحروب النفسية تتضمن سلاح العوارة غير أن هناك إشكالية..وهي أن العوارة قد تنقلب فعلا إلى حقيقة تندغم بالشخصية .. هذا فيما يبدو ما اتضح من انفاق المجلس العسكري لستة مليون دولار لشركة أجنبية لتقوم بعمل دعاية له ليكسب قلب العم ترامب وباقي الدول الأوروبية. والمجلس بذلك يمارس أقصى أنواع العوارة ولكن ضد نفسه وليس ضد أحد آخر فستة مليون دولار تقارب 400 مليار جنيه لو قسمها لعشرة ملايين ووزعها على المتواجدين بموقف جاكسون وشروني لحشد ذات الحشود التي تخرج ضده ولو سخرها للعمل الإعلامي من خلال مؤسسات داخلية محترفة لأنجز بها انجازا كبيرا .. لكن المجلس العسكري ورث عوارة النظام السابق .. فالنظام السابق حينما ضاق خناق الحصار الأمريكي عليه لجأ لشركات أمريكية متخصصة لتمهد له الطريق داخل الكونجرس الأمريكي ومنح هذه الشركات ملايين الدولارات وطبعا الشركات الأمريكية أخذت المال وباعت له الترماي. والآن المجلس العسكري ينفذ ذات غباء الكيزان السابق ويدفق ستة ملايين على الرهاب... ولو استمرت كل الأطراف الحالية في ممارسة العوارة الممنهجة فأنا متأكد تمام التأكد من أن هذا البلد سيظل قابعا في لعنته الأزلية لتستحيل إلى لعنة أبدية من الفقر والجهل والمرض والموت بلا معنى. على الجميع أن ينفضوا عن أدمغتهم تلك المفاهيم الساذجة وأن ينظروا للدولة كدولة وأن يفكروا بكل تواضع أولا وجدية ثانيا في طرح حلول حقيقية نهائية ومخلصة بعيدا عن فكرة الانتقام والتشفي وبعيدا أيضا عن فكرة الاستحواذ على السلطة والثروة وتهميش الآخر. إن الدول لا يقودها العبط وإنما يقودها "رجال دولة" وبغير هذا تنهار أو تضحى دولة عاطلة فاشلة. فأستنيروا بالجدية وسداد الفكر واستقامة الرأي واتباع الحكمة وإلا فشلتم وذهبت ريحكم..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة