الحمد الله الذي أخرجني من صُلب هذا الشعب الذي دائماً ما كان يدهشني بخصلة التفرُّد والإختلاف ، أقول ذلك لأني ما برحت ومعي الملايين من شرفاء هذه البلاد ساحات الألم والشعور بالضيم والخزلان منذ أن تم الغدر بأبنائنا وبناتنا في ساحة الإعتصام في التاسع والعشرين من رمضان ، وإستشهدوا وبين جوانحهم ثقةً لا تنقطع فينا بأن هذه المسيرة الخالدة لن تخور ولن تتراجع ، ظلننا والعَبْرة في حلوقنا منذ العيد الحزين نترَّقب ونتوقَّع عن ما ستُفسر عنه قراءتنا في كتاب المستقبل عن ما يخبئه هذا الشعب من تضحياتٍ زاكيات لأجل تحقيق أمانيه وتطلُّعاته .
حتى إنبثق الأمل من جديد في 30 يونيو وكان هذه المرة هادراً وصاخباً وعالي النبره ، وللمرة الثالثة بعد 6 أبريل وفعالية الإعتصام يقول الشعب السوداني الأبي كلمته بمخارج حروف واضحة لا تقبل اللبس ولا التأويل (مدنية وحرية وسلام وعدالة) .
واهمٌ من كان يعتقد أن هذه الإستجابة الشعبية نابعة فقط من حب الجماهير وإلتفافهم حول قيادة تجمع الحرية والتغيير ، لأن النسبة العُليا في هذا المثول الشعبي الذي لا يتأخر عن موعد الثورة يؤجِّجه سببٌ آخر ، هو كراهيته التي باتت لا تحدها حدود للنظام البائد وفلوله وكل من يُمثِّلهُ أو يتَّخذ أساليبه في التكتيك والخطاب السياسي ، والنظام البائد الذي أذاق هذا الشعب الأمَّرين في سوءة الذل والتجويع والمهانة والتكيل والإقصاء وإفساح المجال لسيادة الفساد وإشاعة التخلُف الوطني في شتى المجالات ، في إعتقادي ستظل كراهيته هي الدافع الأول لهذا الشعب للزود دوماً عن حياض الوطن وحمايته من الوقوع في ذات الجُب مرةً أخرى أياً كان من يقود مسيرة الخلاص إسماً وشكلاً وموضوعاً .
هي رسالة واضحة من الشعب السوداني لكل من تبقت لهُ في القلب والروح بعضاً من فضائل تأتي في مقدمتها الكرامة وخصلة الرجوع إلى الحق ، أما من ناحية المنطق فإن شعبنا يُثبت يوماً بعد يوم أنه أيقونة الوعي المتضطرد بواجباته تجاه الوطن ومستحقات بناء مستقبله ، فهوا يكرِّر المرة تلو الأخرى في أسماع المتخاذلين والمتآمرين بأن الديموقراطية المنشودة لن يستقيم أمر إرسائها والتمهيد لبناء أركانها دون إسباغ المدنية الشاملة شكلاً ومضموناً على هيئتها الإنتقالية ، بدون ذلك لا ضمانات تؤكد حماية وترسيخ النظام الديموقراطي وتحصينه ضد الإنقلابات العسكرية والمدنية ، وبدون ذلك لا ضمانات لبناء دولة المؤسسات والقانون والمواطنة والحرية بمفهومها المُطلق الذي لا يقبل الإستثناءات ولا المحاصصات ولا المجاملات ، بالطبع بعد الذي حدث في 30 يونيو ما من طريق ولا مخرج إلا بإقرار إرادة الجماهير .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة