إذا لم يكن الحديث عن تحوُّل هذه الدولة إلى دولة مؤسسات وديموقراطية حقيقية مجرَّد تُرهات ولعب على الذقون ، وخطة خفية لإستمرار العهد البائد بثوب جديد ، لا يمكن أن يحتدم نقاش حول (شكلية ومحدودية) التمثيل العسكري في مجلس السيادة المزمع إعلانه ، بالقدر الذي يجعله لا يكاد مرئياً ولا محسوساً ولا مُشيراً إلى (عسكرية الدولة) ، فالنظام الديموقراطي المدني يتناقض من حيث المبدأ مع كل ما يشير إلى أن المؤسسة العسكرية لا تقف على أعمالها التخصصية والمهنية البحتة ، فضلاً عن (خضوعها) عبر الدستور والقوانين واللوائح لإمرة الحكم المدني في كل أعمالها وتحركاتها ، هذه هي الحقيقة المحضة التي نقدمها بلا موارة لكل الذين يستحون أن يُعبِّروا عن حقيقة المعنى الأصيل لمؤسسية الدولة وديموقراطيتها ومدنيتها .
طبعاً سيقول البعض أن الظروف الأمنية الخاصة التي تعيشها البلاد من حروب إقليمية وإحتمالات المقاومة من فلول النظام البائد عبر كافة السبُل ، يفرض وجوداً (خاصاً) للمنظومة العسكرية والأمنية في الدولة مما يجعل ذلك يُمثِّل نوعاً من الحماية التي يحتاجها النظام الديموقراطي الجديد الذي تُعبِّرعنه حالياً الحكومة الإنتقالية المُرتقبة ، وفي ذلك نقول أن كل هذا يمكن القيام به عبر وزارتي الدفاع والداخلية وجهاز الأمن ، أو يمكن تكوين لجنة أمنية خاصة تتولى هذه الأمور، فالإختصاصات المتعلِّقة بإستتباب الأمن وحماية البلاد والعباد والنظام الديموقراطي لا تستدعي بأي حال من الأحوال فرض سيادة العسكر وحكمهم للسودان من جديد ، وإن كان الأمر كذلك فكما نُقرُ بأن أمر الأمن والحماية المدنية مهم ، يمكننا أن نُقر أيضاً بأهمية قطاعات كثيرة لا يختلف إثنان في كونها ذات أهمية قصوى ، كالصحة والتعليم والإقتصاد ، فلماذا لا نجعلها تعتلي صهوة جواد الحكم والسيطرة عليه بنفس الدافع الذي يدفعنا لقول ذلك عن الجيش لأنه يضطلع بمهنية حفظ الأمن والإستقرار .
الذين يُقرَّون سيادةً عُليا للجيش في التمهيد لبناء السودان الديموقراطي الجديد من زاوية الإشارة إلى أهمية الحفاظ على الأمن والإستقرار والحماية في المرحلة المقبلة ، يجب أن يعلموا أن أمر الأمن والإستقرار والحماية لا يصنعه الجيش وحده ، فالصحة والتعليم والتخطيط الإقتصادي وتصفية معاول الهدم التي أسسها النظام البائد ومحاكمة مجرميه وإسترداد أموال الشعب المنهوبة وتعديل المنظومة القانونية واللائحية والهيكلية البائدة ، إن لم يُجابه بحكومة مدنية قادرة وذات فعالية وصلاحيات واسعة وعُليا ، سيشُكِّل في الواقع إنعداماً حقيقياً وماثلاً (للأمن والإستقرار وحماية النظام الديموقراطي) ، لا أحد يمنع الجيش والمنظومة الأمنية والشرطية من أداء مهامهم المهنية الأصلية في ظل دولة المؤسسات عبر هياكلها الأساسية ، لكننا نعترض على إشتراطها أداء هذه المهام وفق الإستحواز على ممثليات وصلاحيات تفوق في شكلها ومضمونها المنهج المتفق عليه في وصف دولة المؤسسات الديموقراطية .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة