تجربة حكم الإسلاميون في السودان هي بلا شك تجربة تحتاج إلي تشريح ودراسة ونحن في خضم ثورة سودانية عظيمة تعيد صياغة وكتابة تاريخ جديد لهذا البلد الذي إكتوي بالحروب والديكتاتوريات الشمولية والعقائدية التي اطبقت علي أنظمة الحكم المتعاقبة فيه منذ الاستقلال وحتي عهد ( الكيزان ) الكالح .. القاسم المشترك في كل فترات الحكم العسكري بشكل عام هو تحويل الدولة إلي نموذج الدولة المستبدة .. وهو نموذج غاية في التشويه و الضعف .. تُغيب فيه الحريات وينتشر البطش والفساد و تتراجع أخلاق المجتمع نتيجة للكبت والقهر الذي يُمارس ضده .. تتحول الدولة إلي دولة تتحكم فيها الفئية الحاكمة ومن حولهم في كل شئ ويحتكرون ثروات البلد و قوت أهله وكل هذا هو عين ما فعله ( الكيزان ) في السودان طوال فترة حكمهم الطويلة .. حكموا بالقوة الجبرية والآلة العسكرية القمعية والامنية .. وبديهي أنهم مارسوا كل انواع الجرائم التي يمكن أن تجول بالعقل أو تلك التي حتي يعجز العقل علي الإحاطة بها ! .. و لعل أهم سمات الدولة و الأنظمة المستبدّة هي مصادرة الحريات وتفصيل القوانين التي تحد منها وتمنعها وتفرض رؤية أُحادية تلزم بها جميع من يخالفونها .. ولا تترك أي مساحات للرأي الآخر الذي لا يتماشي مع تلك الرؤية والفرضيات .. ولعل ما جعل فترة حكم ( الكيزان ) بكل هذا السوء وخلق منها اسؤا نماذج الدولة المستبدّة طوال فترات حكم السودان هو التزاوج مابين العسكر والإسلام السياسي .. فخلق هذا التزاوج أقبح وجه يمكن أن ينتج عنه نظام للحكم .. فأصبح مشروعهم الإسلامي هو الرؤية التي حاولوا تطبيقها وفرضها علي الآخرين مدعومة بكل أدوات القمع والعنف والتسلط .. وأصبح أي خروج أو رفض لها هو بالضرورة معصية مباشرة للخالق .. وفي هذا حولوا كل صراعهم السياسي لحروب جهادية يصبح فيها المخالف عدواً لله والمناصر لهم متقرب من الله مخلصاً في العبادة له .. أداروا كل خلافاتهم السياسية من هذه الزاوية وهذا ما يفسر كل تلك البشاعة التي جابهوا بها خصومهم .. وصلت حد التفكير في قتل ثلث الشعب كي يستمروا في الحكم بفتوي من أحد مهوسيهم .. إذاً النموذج الأول الذي يؤدي لدولة الاستبداد وتحكم فرد أو مجموعة صغيرة هو الحكم العسكري .. أما النموذج الآخر هو نموذج فرض النظام العقائدي أو الديني والذي أيضاً ينتج ويؤدي للدولة المستبدّة والشواهد حتي في غير السودان عديدة جداً والتاريخ يقف شاهداً عليها ونحن هنا لسنا بصدد إستعراضها ويمكن للجميع التوصل لذلك بقليل من الجهد والإطلاع .. أما إذا تكرر نموذج العسكر والرؤية العقائدية والدينية مرة أخري في السودان فهذا إنتاج طبعة جديدة من حكم ( الكيزان ) وقد يكون اسؤا ! .. ونحن نستشرف عهد جديد وثورة تغيير ووعي فإننا نعلنها بوضوح لا لبس فيه .. لا لحكم العساكر في السودان ولا لحكم وفرض الرؤية العقائدية ونموذج الدولة الدينية في السودان مجدداً .. نعم للديمقراطية ودولة الحريات والتساوي والقانون والمواطنة في السودان الذي نبنيه جميعاً معاً .. و لنقف سداً عالياً ومنيعاً ضد أي محاولة لإعادة دولة الاستبداد والمستبدّين في السودان مرة أخري ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة