كتبت كثيرا بأن الديموقراطية المطلقة تفضي الى هشاشة الدولة حيث تتخطفها الدول الأخرى بحسب مصالحها كلبنان التي صارت خاضعة لتأثير دول كثيرة (ايران .. امريكا..روسيا..فرنسا .. السعودية..قطر..بل حتى حركات صغيرة كحماس وحزب الله).. الديموقراطية المطلقة تلغي كل الخطوط الحمراء وهكذا تتعرى الدولة من كل مضابط اتساق حركتها الداخلية والخارجية ، فدولة كأمريكا مثلا كانت لتتعرض لتهتكات في خارطة سلوكها الدولي لو كانت ديموقراطيتها مطلقة. ربما يسأل البعض ما الذي يجعل كل الإدارات الامريكية المتعاقبة وكل الرؤساء يتحدثون عن كل شيء ماعدا اسرائيل؟... وهل الشعب الأمريكي يحكم نفسه بنفسه حينما يوجه الجيش الأمريكي صواريخ التوماهوك إلى الأبرياء في الصومال وافغانستان والعراق ... وهل الشعب الأمريكي هو من اختار سجن غوانتنامو وأنشأ سجون في دول العالم المختلفة لممارسة التعذيب بعيدا عن حدود أمريكا السياسية؟ بالتأكيد الشعب الامريكي ليس له اي علاقة بكل ما سبق لكن الديموقراطية في أمريكا خاضعة لما يمكننا تسميته ب (مركزية السيطرة على الديموقراطية) ، وهذا نفسه يماثل (تشخيص مصلحة النظام) بإيران ؛ ولذلك لم تحاول أمريكا أبدا الطعن في الديموقراطية الأيرانية ، فالفرق بين الديموقراطيتين أن السيطرة المركزية خفية في أمريكا وعلنية في إيران. وأمريكا تمارس بدورها سيطرة مركزية على ديموقراطيات أوروبا وكوريا الجنوبية واليابان ..الخ... حتى تضمن ألا تحاول أي دولة الخروج عن البرادايم المفروض من قبلها والذي يشكل النظام العالمي الذي تنفرد فيه بالسيطرة على العالم. لقد بدأت عملية الإزاحة للأنظمة التاريخية بغرض تشكيل الشرق الأوسط الجديد وبدأ الأمر بإزاحة حكام تاريخيين كصدام وبن علي ومبارك والقذافي وصالح ومحاولة ازاحة بشار ، ...... ثم تقرر إزاحة البشير ليس لأنه خطر فهو أقل من كافة أولئك الرؤساء قوة ؛ لكن حتى تشعر شعوب الشرق الأوسط - السودان يعتبر ضمن الشرق الأوسط بعدة مقاييس- بأنهم يبدأون ميلادا جديدا بروح جديدة ، وهكذا لم يكن البشير باعتباره أكثر الرؤساء ضعفا بحاجة الى كبير عناء أو مخاطرة من أجل الإطاحة به. على نار هادئة بدأت عملية خنقه اقتصاديا ؛ وأبرمت شركة التسويق السياسي political marketing الضخمة بالولايات المتحدة وبريطانيا ؛ وهي شركات متخصصة في السيطرة الرقمية على الكيان الإعلامي الأقوى في العالم وهو الانترنت تماما كما حدث في عهد حسني مبارك حيث ظهرت مجموعة فيسبوكية تدعى 6 ابريل ثم بدأت تداعيات المسرحية الهزلية الساخرة التي أفضت الى نهاية حقبة واعادة انتاج حكم عسكري جديد. لكن السودان له مخطط آخر ؛ فالمفروض أن يتحول السودان الى دولة ديموقراطية (ذات مسيطر مركزي) ، وبالتالي تصبح دولة مقلقة لراحة الأنظمة العسكرية من حولها وخاصة مصر ، وهذا لن يتم عبر نظام عسكري جديد ، فما أتوقعه هو على عكس ما يبدو للسطح وهو أن الولايات المتحدة التي تدعم المجلس العسكري سوف تستمر في الضغط على البرهان بشكل مستمر وبطيء عبر أجسامها المزروعة والتي ستمثل قاعدة للسيطرة المركزية على الديموقراطية مستقبلا. لقد ثبت تماما أن الولايات المتحدة قادرة على تحريك الشعب نحو الاتجاه المرغوب فيه ، وأعتقد ان من مصلحة الشعب أن يتخلص من رواسبه التاريخية مع الولايات المتحدة لينقاد بطواعية نحو ديموقراطية تتحول فيها كل الأحزاب السياسية إلى مؤسسات ممتثلة ومطيعة للقوة المركزية المسيطرة على الديناميكية الديموقراطية النسبية في السودان. سنشهد انفتاحا عالميا وعهودا من الرخاء بل والرفاهية الاقتصادية تحت ظلال ثقافة الأمركة الرأسمالية القادمة. إن الولايات المتحدة تمتلك كل وقتها لتحطم دولا وتصنع دولا ؛ لتقوض أنظمة وتنشيء أنظمة. تملك الولايات المتحدة الأمريكية كل الزمن الكافي بل والفائض لترسم أقدار الشعوب ؛ وأعتقد أن الشعوب لا تملك إلا الوقت القليل لتعترض أو تقاوم بل وأرى أن من الأفضل ألا يحاول الشعب المقاومة كثيرا.. فالقادم أحلى وأجمل...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة