على مدى سنين الفقر التي أعلنت بؤس هذا الشعب المغلوب على أمره ، والمؤرَّخة ببداية عهد إنفجار ثورة التكالب على المصالح الخاصة بأداة الفساد والتحايل على القانون والأخلاقيات العامة ، ومنذ إنفرط عقد تأسيس المصلحة العامة لصالح المحاصصات والتحالفات المشبوهة وإنتصار دولة الظل التنظيمي للمؤتمر الوطني على دولة المؤسسية وحقوق الشعب ، ظلت ظلامية المستقبل تتزايد يوماً بعد يوم مما يعني أن ما يتم تصنيفه اليوم (صعوبة) سيتحوَّل غداً وبحسب مجريات الواقع الإقتصادي المتفاقم كل يوم إلى (إستحالة) .
ليبقى التساؤل الهام الذي يجب أن يدور في ذهن أهل السلطان ومن يواليهم بإسم المنفعة والتعاضد المصلحي الشخصي ضد المصلحة العامة ، هو وبكل وضوح (ما الذي يُجبر من تبقى من الصابرين على أوجاع الفقر والمرض والتهميش والقمع والشعور بالدونية وظلامية مستقبلهم ومستقبل أبناءهم لمواصلة الصمت وإختيار ضفة الحِياد ؟) ، مجريات المنطق وما جرت عليه أحوال الطبيعة الكونية أن من أصابه الضُر والوجع المتنامي لا بد له من صراخ بعد الأنين ، إذن لماذا يستغرب أولئك المنفصمون من أهل التيار الذي حوَّل مصطلح إسلامي إلى (إيلامي) ، أن تبدأ إرهاصات الثورة على مرارة الواقع وإشراقات التطلُّع إلى تغيير لا يُراد منه على الأقل في الوقت الراهن سوى إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، ولا تتجاوز مطالبه حافة الحفاظ على حالة (الصعوبة) في الحصول على كفاف العيش الكريم قبل أن يصل الأمر إلى حد (الإستحالة) ، والذي هو وبحسب ما نراه من إنجراف سيل هذا الإنهيار العظيم لا محالة قادم وإن دفنوا الرؤوس في الرمال كالنعام .
هل ما زالوا يراهنون على النجاة وهم يبحرون بهذا القارب المثقوب في بحر الفشل والفساد الأهوج ؟ إلى قاع الفناء الذي لن تؤمهُ حتى الفوضى التي يُرهبون بها الناس إذا ما جاء الحديث عن الحالة الصفرية ، التي هي في عيون الذين أيديهم على الجمر واقعياً تجاوزت الصفرية إلى السالبية المفضية في نهاية الأمر إلى اللادولة واللا شعب ولاحياة ، يتحدثون عن معالجات آثار أزمة السيولة النقدية والأزمة تتفاقم يوماُ بعد يوم ، يبشِّرون بخطط وبرامج عاجلة لمحاربة غول الفقر والغلاء ولا أحد من (تماسيح النهب التنظيمي) الإستراتيجي والمستحوذون على منافذ التجارة والإنتاج في عموم البلاد على هزالته الكمية والنوعية يأبه لأوجاع الجماهير وتهديدات الحكومة ، وهكذا هو أيضاً حال معركة الجنيه السوداني المغلوب على أمره مع مافيا الدولار ، وهكذا أيضا هو أمر إنهيار التعليم وإنهزامه أمام مافيا التعليم الخاص التي إستطاعت أن (تكسر) عين وزارة التربية بما تدفعه لها من رسوم وجبايات التراخيص بالقدر الذي جعل منه مورداً للوزاره يُضاهي في أهميته ميزانيتها الرسمية الفقيرة المصدقة في البرلمان ، مما يوسِّع على نافذيها فتح بنود الحوافز والمخصصات والمزايا المنهوبة من جيوب أولياء الأمور، آن أوان مواجهة الحقائق المحضة ، وآن أن يعلم الجميع أن قانون الطبيعة يؤكِّد عبر تاريخ الإنسانية أن الأقلية المنفصمة عن هذا الواقع في برجها العاجي المعزول عن معاناة البسطاء ، لن تصمد أمام هدير المواجع المتفجَّرة في صدور الأغلبية التي لم يعُد لها خيار غير محاربة واقعها المرير قبل مثول حالة (الإستحالة) . هيثم 2.jpg
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة