محمد طاهر إيلا إن كان يسعى لإصلاح أداء الدولة عبر حملة إعفاءاته للكثير من مدراء المؤسسا ت والنافذين في الدولة لأسباب في الغالب غير مُعلنه ، فإن أمره سيكون مثل من يمُدُ خيط عنكبوتٍ لإنقاذ غريق ، لأن ما تعانيه أضابير الدولة والخدمة المدنية بفعل التمكين السياسي لجماعة السلطة الحاكمة في السودان من مشكلات إدارية وفنية وأخلاقية ، لا تُعبِّر عن أداء أشخاص بقدر ما هي (ثقافة) جديدة ووافدة ومتأصلة في جسم الأداء المهني العام في السودان ، ليت الموضوع كان يا سعادة رئيس الوزراء كفاءة أشخاص أو مجرد قدرات مهنية يمكن معالجتها كما تفعلون بإعفاء هذا وتعيين ذاك ، الموضوع أكبر من (الشخوصية) لأنه ببساطة دولة داخل دولة ، فمعايير العمل الإداري والتنظيمي والفني والمهني عموماً في سودان الإنقاذ وفي يومنا هذا لا تكترث بالقاعدة الذهبية التي فحواها الإنحياز المُطلق للمصلحة العامة أوالوطنية ، بقدر إكتراثها المُستحدث بإسم (التوجُّه الحضاري الجديد) لقاعدة شعارها (المصلحة التنظيمية) وإن تم تحصيلها فلاغُبار ولا إثم من الإلتفات للمصالح الشخصية .
لكل ما سبق قال أهل الإنصاف من غير المتهمين من قِبل الإنقاذ بالمُندسين والمتآمرين وشذّاذ الآفاق ، أن أمر إصلاح الدولة يتطلب العمل على ثلاثة محاور رئيسية هي محاربة الفساد المستشري في كل أركان الدولة ومؤسساتها ، وإعادة النظر في القوانين واللوائح والتنظيمات التي يُحتكم عليها في تسيير دولاب الدولة ، ثم وقبل كل ذلك (تفكيك) دولة المؤتمر الوطني وخلاياها التنظيمية السياسية داخل مؤسسات الدولة وهياكل الخدمة المدنية ، الجميع يعلم أن المدراء والنافذين في أهم المؤسسات وفي مقدمتها مؤسسات القيادة الإقتصادية في البلاد لا تأتمر ولا تعتد في تسييرها لتلك المرافق بالمهنية ولا المصلحة العامة بقدر إئتمارها لتوجيهات خلايا التنظيم السياسي داخلها ، والتي تتجه أغلب قراراتها نحو المسارات السياسية المحصورة في إبعاد وتقزيم وتشريد القوى البشرية الحائزة على الكفاءة المهنية لمجرد عدم إنتمائها للهيكل التنظيمي للفئة الحاكمة والمتحكِّمة في مقاليد الأمور .
ما يفعله رئيس الوزراء إن لم يكن فرقعات مهرجانية للإستهلاك الإعلامي على مسرح تدشين سلطته الحديثة ، ستظل من وجهة نظري كمن يعالج إعراض المرض تاركاً الجرثومة الرئيسية تعيس فساداً في الجسد المتهالك ، ومن ترك المبدأ وسعى نحو الفرعيات كمن يُمسك بذيل الحية ليُلدغ من جهة رأسها الطليق ، أمر الإصلاح الإداري لدواوين الدولة ومؤسساتها يجب أن تُعقد له ورش عمل متخصِّصة لتنظر في كيفية تفريغ الهياكل من أدعياء الكفاءة الذين تسلقوا السلم عبر الولاء السياسي والتزُلف والمُقايضة النفعية بينهم وبين النافذين ، يحتاج إلى دراسة التأثيرات السلبية التي أحدثها داء التمكين في هياكل الدولة وحجم إعتلاله وذلك لتحرير روشته علاجة وعودته إلى الحياة ، يحتاج إلى معاينة وتحليل حالة الشُح الحاد في الكوادر المؤهلة والقادرة على قيادة الإصلاح وتدوير عجلة التنمية عبر تاريخ من التشريد المهني والسياسي والإقتصادي الذي دفع بآلاف الكفاءات والعبقريات والمواهب الإستثنائية للهروب من الوطن والتشتُّت في بلدان العالم المختلفة يبنون ويشيِّدون حضاراتها وتنميتها المستدامة ، ليت الموضوع يا إيلا ببساطة نظرية إعفاء هذا وتعيين ذاك.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
هيثم الفضل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست