أقوال بعض الذين يدعون الوقوف على الحياد من ما يدور من سجال بين الحكومة والثائرون في الشوارع ، دائماً تعترضها قوى المنطق الذي لا يقبل الركون إلى اللون الرمادي عندما يحين وقت التصريح والحديث في المنابر الإعلامية بما فيها وسائط النشر الإلكتروني عن الوطنية والإننتماء إلى الحق المُطلق ، فالرماديون اليوم لا سبيل لهم للحصول على حالة (إحترام طرفي النزاع) سوى الصمت الخجول ، ولا شيء غير الصمت يمكن أن يتماشى مع المنطق في عزوفهم عن إتخاذ المواقف أياً كانت إتجاهاتها ، كثيرون منهم يصوِّرون أن الصراع السياسي المحتدم الآن وكأنه مجرد خلاف بين مشجعي فريقين رياضيين ، ينحصر سجالهما المطروح على الساحة تحت تصنيف (تسقط بس) و(تقعُد بس) ، وفي ذلك إستسهال كبير يخِل بحجم القضية التي تُعبِّر عن مواجع وأحزان هذا الوطن وإنسانه المغلوب على أمره .
وكأن هؤلاء يُقحمون في لُجة السجال السياسي القائم فئةً وهمية الوجود تدعم مقولة (تقعُد بس) مع أننا لم نسمع صوت هذه الفئة ولا ترديدها لهذا الشعار ولا دفاعاتها وبرامجها التي تدعم دخولها أوج المعركة ، هو مجرد شعار إبتدعه أهل السلطان المغضوب عليهم بأنفسهم ، ليوسِّعوا من طائلة الإيحاء للمتابعين في المجتمع الدولي والقوى غير السياسية الفاعلة في الداخل ، بأن هناك من يدعم ويؤيد بقاء الحال على ماهو عليه ، وبعضهم قالوا في شاشات الفضائيات الأجنبية أن نسبةً كبيرة من أبناء هذا الشعب ما زالوا يقبعون في بيوتهم ولم يشاركوا في موجة الإحتجاجات وكثيراً ما أشاروا إلى إضمحلال أعداد من يخرجون الآن للإحتجاج في الشوارع ، هم يستثمرون عدم خروج الأغلبية ومشاركتهم في ثورة الشباب ويعتبرونه تأييداً ضمنياً يمكن الإستناد عليه (إفتراضاً) بأن (القاعدين) مؤيدين ويرفعون لواء (تقعد بس) .
أما الواقع والمنطق المحض لا يمكن تجريده من وجود العديد والمتنوِّع من الأسباب التي تمنع الكثيرين من التعبير عن رأيهم السياسي بطريقة الخروج إلى الشوارع إحتجاجاً ، إذ ليس هذا من وجهة نظر الكثيرين هو السبيل الوحيد للتعبير عن وجهة النظر السياسية أو الموقف من الواقع المُزري الذي تعانيه البلاد ، فمن هؤلاء من يتبَّنى منهج (أضعف الإيمان) التي يبلغ منتهاها مجرد الإكتفاء بالإستنكار وعدم الرضا ، ومنهم من يفترض أن الخروج إلى الشارع فرض كفاية ، وهذا ما سار عليه أمر معظم الحراكات السياسية على مدى التاريخ ، فمهما بلغ حجم المشاركين فيها لا يمكن لأحد أن يدعي أن كل من في البيوت والمؤسسات وسائر المواقع الأخرى كانوا في الشارع مشاركين .
حكومة المؤتمر الوطني إستبقت قوى المنطق والتحليل المضمحل في رؤاه للأحداث ، وأبدت عدم إكتراثها لموضوع حجم وأعداد الذين خرجوا إلى الشوارع محتجين ، بدليل أنها تستميت الآن في محاولات غير مُقنعة لتغيير ثوبها القديم و الظهور بمظهر يتناسب مع مستجدات الوعي السياسي الذي بدت إشراقاته تترى يوماً بعد يوم ، لا سبيل لإعادة هذا المارد إلى حالة السبات العميق مرةً أخرى والأيام دُول .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة