يتفق كثير من الناس علي أن الرجلين اللذين قدمهما رئيس الجمهورية المشير عمر البشير لموقعين مهمين الدكتور محمد طاهر ايلا رئيس مجلس الوزراء، ومولانا أحمد محمد هارون المكلف برئاسة الحزب يصدق عليهما الوصف أنهما من العيار الثقيل، إلا أن مهمة كل واحد منهما تختلف عن الآخر، فالدكتور ايلا رئيس الوزراء مطلوب منه قيادة الجهاز التنفيذي لتحقيق إنجازات ملموسة، وهو رجل عرف عنه الإنجاز في كل المواقع التي عمل فيها، ولقد ظهر ذلك بصورة واضحة في تجارب الولايات، ولعل مهمة قيادة الولاية تشبه إلي حد كبير تجربة رئاسة مجلس الوزراء، ولذلك يتفاءل كثيرون، ويتوقعون أن تصادف تجربة الدكتور محمد طاهر ايلا نجاحا عظيما. أما الرجل الثاني، وأعني مولانا هارون، فعلي الرغم من نجاح تجاربه التنفيذية، ومعلوم ما حققه أخيرا في ولاية شمال كردفان، ولكن ليس لهذا كلفه الرئيس بمهامه في حزب المؤتمر الوطني، ولكنه قدم في الحزب لتحقيق الحلم القديم الذي انصرف عنه الناس سنين عددا، وكما هو معلوم أن النظرية التي قام عليها المؤتمر الوطني أن يكون كيانا جامعا، يلتقي عنده كل أهل السودان، وهيأ له النظام بحل كل الأحزاب السياسة بما فيها الجبهة الإسلامية القومية، كيان الإسلاميين السياسي في ذاك العهد، ولكن الذي حدث أنه صار حزبا بديلا للإسلاميين، وانغلقوا به علي انفسهم وبعض الذين ارتضوا أن يسيروا في الدرب المرسوم، دون أن يحيدوا إلا في الإطار المسموح به، وكانوا بذلك يسجلون أهدافا متتالية في مرمي الكيان المنشود، فمني بهزيمة شنيعة، حتى وصل مرحلة صار يتبرأ منه حتى منسوبيه، ولعل ما حدث أخيرا من تشظي في جسم الحركة الإسلامية، نشأت عنه كيانات أصغر، ثم عادت بعض هذه الكيانات عبر تحالفات جديدة، إلا أن هذه التحالفات لم تصمد طويلا، فسقط اللاحقون مرة أخري، لدرجة لم يعد معها حزب المؤتمر الوطني قادرا حتى علي استيعاب عضويته التاريخية. لقد أتيحت فرص سابقة لأن يعاد بناء حزب المؤتمر الوطني، ليس باسمه فقط، ولكن حتى بمعانيه ومضامينه وعضويته، الفرصة الأولي والتي اقتربت من التحقيق ولكنها هزمت بالكامل هي تجربة الراحل المقيم الشريف زين العابدين الهندي، والشريف الهندي ظل يحتقب فكرة الجبهة الوطنية منذ تاسيسها في بداية عهد مايو، ولم يحد عنها ابدا، فسعي عبر مبادرته للحوار لإعادة بناء الجبهة الوطنية، وكانت فكرته أن يندمج حزبهم الاتحادي الديمقراطي في حزب المؤتمر الوطني ويقود الحزبان المندمجان مبادرة لضم القوي الوطنية الأخري، ولكن هزمه أهل حزبه، واهل المؤتمر الوطني ايضا. والتجربة الثانية هي تجربة الزعيم الراحل شيخنا الدكتور حسن عبدالله الترابي له الرحمة والمغفرة، وهي ما عرف بالنظام الخالف، وهي دعوة لم تفشل ولكن الله سبحانه وتعالي اختار حاديها إلي جواره قبل أن تبلغ دعوته منتهاها. ولا تزال الدعوتان حاضرتين، والحاجة إليهما أكثر إلحاحا. وفي تقديري أن مولانا أحمد محمد هارون يعتبر الأنسب لاستكمال ما بدأه الراحلان المقيمان، الهندي والترابي، وكان السيد رئيس الجمهورية طرف أصيل في الدعوتين، وكان، ولا يزال علي قناعة بهما. المطلوب الآن من مولانا هارون أن يكون أكثر انفتاحا مما هو عليه، ويقود الحزب الذي يتولاه إلي ذات الانفتاح، وتكون كل الخيارات متاحة، ونتوقع أن يحدث ذلك، ليس لأن طبيعة المرحلة وحدها تحتاج إلي ذلك، ولكن ليس هناك خيار أفضل من يقود الحزب الغالب التراضي، ولا أتوقع أن يفعل هارون شيئا غير هذا، وهذه هي قناعته، وهذا هو منهجه، ونتمتي أن يجد عونا من أعضا حزبه، مثل الذي وجده من السيد الرئيس، ولن تنجح التجربة إذا نظر إليها أهل المؤتمر الوطني بنظرية الاحتواء التي ظلوا يتعاملون بها مع كل من يقترب منهم، سواء كان فردا، او حزب، فلا بدأ أن يتهيأ الحزب لكل الخيار، فقد ينشأ الكيان الجديد باسم جديد، ولا بد أن تكون له قيادة جديدة، وقطعا لن يكون المؤتمر الوطني مسيطرا عليها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة