ولادة الدنيا:قصة قصيرة بقلم محمد سليمان الفكي الشاذلي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 10:43 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-27-2019, 04:26 PM

محمد سليمان الفكي الشاذلي
<aمحمد سليمان الفكي الشاذلي
تاريخ التسجيل: 02-24-2019
مجموع المشاركات: 4

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ولادة الدنيا:قصة قصيرة بقلم محمد سليمان الفكي الشاذلي

    03:26 PM February, 27 2019

    سودانيز اون لاين
    محمد سليمان الفكي الشاذلي-UK
    مكتبتى
    رابط مختصر




    كانا طفلين يحبان رائحة اللحم المشوي وأكل اللحم المشوي. وكانت أمهما تطبخه لهما في كل حين. كان من العسير التمييز بينهما، كما كان من المستحيل تفريقهما عن بعضهما البعض. كانا توأمين، يستيقظان معاً، يأكلان معاً، يلعبان معاً يستمعان إلى أحاجي العشيات معاً؛ وعندما يصمت الليل، معاً ينامان. في الصباحات والنهارات، كانا يضربان الفئران والقطط والكلاب والضفادع ضربات فتاكة قاسية. وأحيانا يشعلان النار فيها وهي حية. أما الدجاج فكانا يفقآن عيونه بالمسامير المحماة بالنار اللاهبة. معاً رسما على الجدران، في كل نواحيها، رسومات لفارس قديم يرفع هراوته بيده فوق رأس عدوه الجاثم المتذلل تحت قدميه. كانت الرسومات ملونة بالطباشير الأحمر في غرابة تشبه الحلم المزعج.
    كانت جدتهما تحكي لهما عن قوم يلبسون الأخراس في شفاههم بدلا من آذانهم، يدهنون أجسامهم بدم الإبل لا بدهن النعاج أو زيت السمسم أو المراهم العطرية، وعن قوم يتزينون بأمعاء الحيوانات وأحشائها بدل أن يطهو من لحومها شيَّة شهية. كانت تصيبهما الحيرة في بعض العشيات لأن خرف جدتهما يجعلها تحكي لهما حكايا يكتشفان أن ما يجري فيها من أحداث لا يربط بينها أي انسجام أو أي شيء من المنطق. جدتهما كانت مولعة بقصص العصور والمآسي الكبرى التي اشتهرت بها القرون.
    جدتهما كانت المخلوق الأثير لديهما في هذا العالم. كانت قمحية اللون وعلى جانب كبير من الجمال، تشهد بذلك عيونها الواسعة وشفاهها الجذابة، حتى أسنانها، رغم الهرم، بقيت تامة لا تنقص منها واحدة. وقد اجتذبت عطفهما بنوع خاص لأنَّ أعصابها كانت متأثرة بما جرى من قسوة ووحشية في سالف الأيام! حتى أنها مع خرفها الذي يخالطها من حين إلى حين بدت شبه مختلة. بها كانا يلوذان في معظم الأحيان التي يأويان فيها إلى الحجرة الواسعة ذات الظل البارد، بثوبها الأخضر يستغشيان. في حجرها يطمئنان. وفي العشيات لصوتها الغامض يصغيان. وفي النهار يهيمان في أنحاء الدار الكبيرة يتتبعان الهوام والحيوان.
    وذات ظهيرة قائظة والناس يهجعون للمقيل، كانا يجتهدان في إعادة ثور عنيد الى المراح، كانا يضربانه بحديد محمى حاد ضربات لا رحمة فيها ولا لين. كان الثور رغم عناده يأتي بذعر فوقه ذعر وهما يمضيان في عزمهما في غير هوادة أو مهادنة. وأثناء جهدهم القاسي لمحا فخذ الثور ينفتق عن جرح كبير يندفع منه الدم اندفاعا. قال سعد لعزيز:” إني أشعر بالظمأ“، فقال عزيز:” وأنا كذلك". وكأنما تواطأ ذهناهما في تلك اللحظة إذ اقتربا من فخذ الثور وطفقا يلعقان الدم بلسانيهما لعقا. ثم ودون أن يشعرا قطعا من الفخذ شريحتين وكسرا من شجرة السدر القريبة شوكا. شبكا الجلد فوق الجرح بإبر الشوك، وضعا هيلاً من الطين فوق الجرح المخاط ثمَّ طردا الثور الرافض للدخول الى المراح وجلسا يلتهمان شريحتي اللحم النيئ.
    ضحكا وقالا بصوت واحد”: اللحم النيئ لذيذ جدا “.
    وهذه العشية سمعا جدتهما تحكي أن عبَّاس الأقرع، صاحب الحكايات، أصبح قوياً شجاعا شديد المراس بعد التهامه مخ المعزة نيئا وهي حية! فقالا في زهو وخيلاء إنهما سيشقان رأس المعزة ويأكلان مخها نيئا وهي حية؛ لأنهما جرَّبا لحم الثور نيئا وكان طيبا. سعد كان في التاسعة وعزيز كان في التاسعة. وفي عيني كليهما كان يومض الكثير من التحدي، الكثير من الانفعال.
    ولما كان خالهما علي عبد الرازق نجاراً، فقد كانت في الدار الكبيرة مناشير ومناجل فكر التوأمان في انها جد كافية لتنفيذ خطتهما. اختارا وقت القيلولة الذي يهجع فيه الجميع من فرط الحر وقيظ الحر، كساعة للصفر.
    ولحظتما التهب ولهث قرص الشمس المنصهر، اتخذا سبيلهما صوب مراح المعزات، المراح الصغير الكائن في طرف الدار. تقدما والعرق يتصبب من وجهيهما داكناً، ومن وجه الشمس يتصبب أبيض شفافاً وحارقا. دخلا المراح يطآن البعر الناشف، يخوضان في اللزج منه وكأنهما نوتيان يضربان في بركة سوداء. كانا يضحكان ويغنيان وهما يزيحان أكوام البرسيم المخروطية الشكل. انتفخت أوداجهما من رائحة الصوف والقرون المنتصبة، لكنهما، في التو عبسا ثمَّ تنهدا إذا وجدا المعزة الصغيرة وقد قفز عليها التيس الكبير الذي يسميانه ذا اللحية السوداء. جلسا في هدوء على صخرة المراح الهائلة، تلك الصخرة الرمادية المدببة.
    أخذهما المنظر فانتظرا حتى انتهى التيس من فعله ولبيبه وخرَّ هو والمعزة في الركن البعيد. التيس بدا مرتاحا وهو يرقد مغطيا المعزة الصغيرة بكامل جسمه، بينما أطلقت هي أنفاسا متقطعة لكنها بدت سعيدة.
    في عزم وتصميم خلصا المعزة من تحت التيس وأسرعا بها يتحسسان صوفها الناعم الملمس. حاولت المعزة الانفلات فعضاها معا وركضا بها وهي تمغمغ صوب الطاولة الضخمة حيث ثبَّت خالهما النجار المنجلة الحديدية الصدئة الهائلة. كانت في المنجلة خشبة مربوطة فأطلقاها وقذفا بها بعيدا. في همّة ونشاط رفعا المعزة ومضيا يربطان رأسها بإحكام بين صدغي المنجلة الحديدية الصلدة. في تلك اللحظة رأيا التيس ذا اللحية السوداء يقفز جدار المراح الصغير ويقف غير بعيد منهما ينظر في صمت. أشاحا عنه. جذبا المنشار الكبير. سعد أمسك المنشار من طرفه وعزيز أمسك المنشار من طرفه الآخر.
    هتفا وهما يضحكان:” واحد... إثنين... ثلاثة...“وبدءا في قطع طاقية الجمجمة. بدا الأمر عسيرا لأول وهلة، لكنهما عضا على الشفاه وقطعا بحزم حتى لاح شرر ودخان أبيض ثم انبثق الدم. كانت المعزة ترفس وتمغمغ وكان التيس يبكي ولا يلبلب أما هما فكانا يضحكان ولا يسكتان.
    طار غطاء الجمجمة وسقط بعيداً والدم امتزج بالمخ الحيواني الحي الطازج النيئ. امتدت الأيدي الأربع وانغرست في عنف واصرار تقتلع المخ الحي من مكانه، وضعاه على الطاولة فخفق، وبالفأس الكبيرة شطراه شطرين. صعدا على الطاولة وتقرفصا فوقها. كلاهما أخذ نصفه يلتهمه في تلذذ. الشفاه تغطت بالدهن الأبيض، بالدم، بالمادة الساحرة الغموض...
    في عشر دقائق قضيا على كل شيء. التيس المذهول عاد مترنحاً صوب المراح الصغير، وهما حفرا حفرة ودفنا المعزة القتيلة ثم انهمكا في تنظيف منجلة الحديد الصدئة والمنشار وطاولة النجارة الهائلة الحجم. ولما فرغا قصدا المزيرة. أمسك كل منهما بكوزه الألمنيوم، رفعا غطاء الزير الجنوبي البارد وشربا حتى ارتويا ثم انطلقا يلعبان في الحوش والشمس تهتز وتزأر والعرق الحارق يتصبب منها ومنهما.
    في العشية قالا لأمهما التي قدمت اليهما صحن اللحم المشوي الناضج:” نحن شبعان جدا“. وسألا جدتهما أن تحكي لهما قصص العصور والمآسي الكبرى التي اشتهرت بها القرون. وإذْ ما ناما حلما في ذات اللحظة بالتيس ذي اللحية السوداء يقول لهما:” في الصباح تعالا إلى المراح وستريان... ستريان. “.
    في الصباح قال سعد لعزيز:” لقد جاءني ذو اللحية السوداء في الحلم وطلب مني أن نأتيه في المراح! “فقال عزيز:” ولقد قال لي ذات الشيء في الحلم! “طفقا يضحكان وهما يعدوان صوب مراح الماعز. أقدامهم تسمرت في الأرض التي كانت تستعد ليومها الجديد، أما العيون الأربع فقد تسمرت في التيس الذي كان ينطح الصخرة، تلك الصخرة الرمادية المدببة في غضب لا يضاهى. كان التيس يلهث ويلهث وهو ينطح وينطح. تكسرت قرونه الطويلة القوية. تسلخت فروة رأسه. سال الدم ثم انفتق عظم الجمجمة وعند ذاك برز المخ وتهاوى التيس.
    ضحكا وقالا:” طعم المخ النيء لذيذ لن نفطر بغيره اليوم وليذهب شواء أمنا إلى الشيطان. “، تحركا صوب التيس الطريح وانحنيا عليه يدخلان الأيدي الأربع تقتلع المخ من مكانه اقتلاعا من قبل أن يفارق الحياة. جلسا وسط البعر وأعواد البرسيم الجافة. بشوق وشبق عنيف التهما المخ الحار الطازج.
    لما فرغ سعد وفرغ عزيز سال الدم والدهن مع قطع المخ من شفاههم إلى الأذقان. تأملا المراح الذي استيقظ لتوه، عبَّا من رائحة البعر الممتزجة برائحة الجرح النازف عبَّا. نظرا إلى العتود الصغير، إلى السخلة الصغيرة ثم انفجرا في الضحك. وفي تلك اللحظة صعدت شمس الصباح كالأرجوان طازجة وحارة تعلن أن ولادة الدنيا قد تمت من جديد.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de