(هل السودان مخترق من قبل المخابرات الأمريكية والإسرائيلية ودول الخليج؟ نعم.)
مقدمة لا بد منها: لمن لا يعرفون كيف أكتب مقالاتي. أنا من الذين لا يحبزون الكتابة في موضوع ما، أو مقالة ما، إلا بعد مراجعة وتدقيق شديدين وطبقا أو بلحاظ الشواهد أو النصوص التاريخية الموثقة، التي لاغنى عنها إذا رغب أحدكم التحليل أو الإستقراء، أو الفهم الشمولي، غير المجتزيء. وأحب أن أؤكد لست أنا بمركز دراسات، أو كاتب “محترف”، ولست منتميا لحزب، إلا محاولة متواضعة مساعدة الدكتور غازي صلاح الدين العتباني لتأسيس حزبه “الإصلاح الآن”، وقد أستفدت من التجربة لفهم كيفيية “يتحروق” السودانيون، يلعبون بالبيض والحجر، ولا تفهم من هو “غواصة” المؤتمر الوطني أو من أمنجيتهم، إذ معظم المنتسبين لحركة الإصلاح الآن هم منتسبون سابقين للمؤتمر الوطني، وقد تمرسوا على “العواصة“. إلا أن الدكتور غازي هذا موضوع آخر، محترم، وأظنني في حزبه لم أعرف، ولم أثق إلا في شخصه. وأن كنت أسهمت في المجال السياسي في الماضي البعيد الذي شاركت فيه كغيري. فعليه، يمكنني القول، الموقف السياسي اللحظي هو بنت عصره، بيد مرت تحت الجسر الكثير من المتغيرات السياسية في السودان مثل تلاطم الامواج، فبينما تبقى المواقف والمباديء الثابتة والنبيلة، تذهب المواقف الزائفة وخداع الجماهير، مثل زبد البحر إلى مزبلة التاريخ.
الاحترافية إذن تستوجب أن تعطي المجال الذي تحب من وقتك الكثير، وإن لم نقل كل وقتك، والإخلاص الصادق، إذا رغبت فيما يسمى تحقيق مستقبل مهني باهر. وأنا من الناس ليس كذلك، لست متفرغا للكتابة، ناهيك عن التفرغ للبحث والتمحيص.
موقفي، في خدمة الانتفاضة الحالية، هو، مثل الآخرين، يجب أن يعطي أو يساهم كل فرد بما عنده، ولو بالقليل. ولقد أخترت موضوعات صعبة، وعليه، كلما تعمقت في الموضوع الواحد منها بحثا وكتابةً تتكسر بعض الثوابت القديمة وتنفتح رؤية جديدة تتطلب مزيد من البحث. وهنا أخاطب أمثال الأستاذ فتحي الضو، والهادي محمد الأمين، وعبدالله علي إبراهيم، وحيدر إبراهيم علي (أدام الله صحته وعافاه!!) أن يتناولوا الراية من زاويتي المنهجية، والتحليلية، وأظنني غير مخطيء إذا توسمت فيهم الإحترافية.
هذه التكسرات في الثوابت وتجدد المتغيرات، كرؤى جديدة متولدة في الفهم أثناء الكتابة، تُعزى إلى أنني توقفت ربما منذ عام 2014م من الكتابة، وأيضا عن البحث، وكنت حقا يائسا أن ينهض “الشعب السوداني”، وأن يحطم قيوده، ويدك ويسحق مستعبديه وناهبيه، ومذليه، وأن يطالب بالتغيير إلى الأفضل كبقية الشعوب. ولست الوحيد الذي تفاجأ بالثورة، ربما الجميع تفاجأ، فالثورات عادة تأتي بغتة. حتى عمر البشير تفاجأ وأبتلع لسانه، ففي البداية ظنها “شوطة عابرة”، فوصم شباب الثورة الديسمبرية “بشذاذ الآفاق” (ولا أدري لم استهواه هذا التعبير!!)، وحين أدرك أن القضية أكبر من ذلك أخذ “يكسر الثلج!!” للشباب - ههه!!
موضوع المقالة هذا “(هل السودان مخترق من قبل المخابرات الأمريكية والإسرائيلية ودول الخليج؟ نعم.) هو من الكبر والتعقيد الكثير، بل أيضا من الإتساع المفتوح بلا قاع. مثل هكذا موضوع لا يعتمد عادة على وثائق دامغة، إذ لن تتوفر لك إلا إذا أعترف صاحب الشأن بنفسه (مثل جون بيركينز وكتابه: إعترافات رجل مافيا إقتصادي)، أو صاحب كتاب فتحي الضو “بيت العنكبوت”، بل يعتمد موضوع هذه المقالة أساسا على المعطيات data التي قد تتوفر، ثم الربط ثم التحليل، ثم الإستقراء. لذا المقالة الرابعة ستأخذ متسلسلا جانبيا، مثل (4c -7) ،(4b -7) ،(4a -7) إلى أن نشبع الموضوع بحثا الخ، أو كما يقول الأدباء قتلا. كذلك، القصد من كل مقالاتي ليس فقط بأن يستفيد منها الجمهور، بل بالتحديد وعلى الخصوص “تجمع المهنيين”. أو بالأحرى أن تستفيد قيادة “تجمع المهنيين” - the core cabinet كما يقولون. فعلى عاتقها يقع الكثير الكثير، منها نجاح أو فشل الثورة، عبر الإجهاض أو السرقة. لذا يجب أن يحذروا ويأمنوا أنفسهم تأمينا إحترافيا جيدا، وألا تكشف نفسها القيادة الفعلية إلا متأخرا، وأن تبدع سعيا لفهم الماضي وأن تبتكر أساليب جديدة في قيادة الجماهير مقابيل مخططات وأفعال النظام المتهاوي أو ألاعيب الثورة المضادة.
ترآى لي في هذه المقالة إنه من الضرورة على الجميع، وأقول الجميع إن أمكن، و“تجمع المهنيين” أولى بالضرورة، أن يفهموا حقيقة ما حدث في الثلاث عقود المنصرمة التي مضت فهما صحيحا. بدون هذا الفهم الصحيح، يكون الإنتصار ناقصا، إذ حتى ولو سقط النظام أو سقطت وجوه هذا النظام، ستعاود “خميرته” المزروعة صنع نفسها والظهور مجددا. وعليه، يجب أن تكون الثورة “جذرية” بقدر الإمكان وليس فقط إسقاط النظام، ولا أعني بـ “جذرية” ... التغيير عبر إراقة الدماء وإستخدام العنف، بل أعني مراجعة الكثير من المفاهيم والمصطلحاتبشكل جذري وتفحص سيرة كل إسلاموي أو مؤتمرجي لعب دورا في تدمير السودان، دورا معلنا أو خفيا، في إيصال السودان إلى هذه الوضعية المذرية. ويعني هذا الفهم ضمنيا كشف عملاء دول الخليج والدول الغربية وإسرائيل الذين اندسوا في مسيرة “الشيخ حسن الترابي”.
وإلحاقا بما سبق قوله عن الثوابت التي تكسرت، إحداها هي رؤيتي الذهنية والنفسية بصدد الشيخ “حسن الترابي”. لقد كنت عنيفا ضده في مقالاتي السابقة لسنوات خلت بشدة إلى حد الحنق والسباب. والآن أغير من منحاي، ربما ظلمت الرجل، أو ربما لم أظلمه، تجنيت على الرجل بعجالة طائشة أو لم أتجن عليه، والسبب ستجده في هذه المقالة. أضف إلى ذلك، يقول علم النفس، حتى خصومك أو أعداءك لا تكرههم بتطرف، إذ أن الكراهية المتطرفة تسبب ضيق الأفق، لأن الذي يكره بتطرف يرفض الرغبة في الفهم، ويفضل ألا يفهم كي تستمر الكراهية. إذن، أول درس للسياسي، هو ألا يكره بتطرف أعداءه وألا يبالغ في كراهيتهم، أن يسيطر على مشاعره. ومثال على ذلك، العلاقة الجدلية للصراع العربي الإسرائيلي، فعندما رفعت القيود الذاتية في فهم “الإسرائيليين” عبر الدراسات، ولا أقول التطبيع، بدأت هزائم الكيان الصهيوني العسكرية والنفسية، بشكل خاص على يد „حزب الله“ الذي يدرس كل كبيرة وصغيرة تتعلق به.
وإليكم السبب!!
كنت أبحث عن مقولات وصيغ لفظية معينة للشيخ حسن الترابي في القوقل، هكذا (حتى الحروف أخطأت فيها): „الترابي الاسلام لا يكره خكم الاخرين بافكراه”، وصحيحها، أي قصدي: “الترابي الاسلام لا يُكرِه حكم الاخرين بالاكراه”، كمدخل للحصول على تصريحات الشيخ حسن الترابي السابقة قبل وبعد وثيقة “إعلان فرانكفورت”، مع ملاحظة أن “إعلان فرانكفورت” كان في 25 يناير من عام 1992م، والهدف من البحث: إستقراء أو معرفة ماذا قال في معهد بروكينجز، ومركز واشنطون الدولي ٍللبحوث والدراسات الإستراتيجية، في مايو 1992م.
وخرجت بصيدة سمينة!!
المخابرات المركزية الأمريكية تضع على صفحتها الرسمية دراسة من 17 صفحة بالعربية عن “إنحرافات” فكر حسن الترابي الفقهية، بعنوان: “فكر الترابي”. كتبها “محمد بن سرور بن نايف زين العابدين”. ولمن لا يعلم، هذا سوري إخواني قطبي ثم وهابي، معلم ثانوي، ولجأ للسعودية عام 1982م هاربا من مدينة حماة التي دكها الراحل العظيم حافظ الأسد على رؤوس الإخوان المسلمين (ويقال دكها رفعت الأسد!!)، جريمتهم أنهم “لعبوا بديلهم” عبر الأصابع “السعودية-الإسرائيلية” في وقت إجتياح إسرائيل لبيروت (أي طعن سورية من الظهر!! كما فعلتها حماس وخالد مشعل عام 2011م) وحصل على جنسيتها، وهو مؤسس شبكة “الحركة السرورية” في الثانويات السعودية عبر عمل إختراقي سري، وقد افترست هذه الحركة نصف 50% السلفية الوهابية الكلاسيكية (الجاميين، ابن باز الخ) واظهرت نفسها وقوتها بدءا من عام 1990م، ويُسَمى أصحابها بـ ”السروريين” وأيضا بـ “الصحويين”، ويتبعها من الكويت شاكلة عبد الله النفيسي، والطبطبائي الخ، ومن السعودية سليمان العودة، وناصر العمر، والقرني، والعريفي الخ، ومن السودان محمد عبد الحي، محمد عبد الكريم، علاء الدين الزاكي، مدثر أحمد إسماعيل، أبو حراز، عارف الركابي، ومحمد أبو زيد، الأمين الحاج محمد أحمد، سليمان أبو نارو، والسديرة الخ.
الغريب، والمدهش أن السروريين السودانيين مسموح لهم بلا حدود العمل التجنيدي والدعوي النشط في السودان، والعلني والمفتوح في كل الجامعات السودانية (ولديهم كلية خاصة بجبرة)، والمساجد الخاصة، والمدارس، ومسموح لهم التمركز في الميادين مثل جاكسون لمخاطبة الجمهور في حلقات، بل أيضا يتدربون عسكريا كما حدث في الدندر الخ، ولديهم نشاط إعلامي مكثف فمثلا لهم إذاعة طيبة وقناة تلفزيونية بنفس الاسم.
قائد السروريين وزعيمهم محمد عبد الحي منذ طرده من الإمارات وعوامه مبايعين لنظام عمر البشير بالأصابع العشرة!! ويقول الصحفي الممتاز الهادي محمد الأمين في باكورة أعماله الصحفية عام 2011م، أن الشيخ محمد بن سرور بن نايف زين العابدين زار سرا السودان ثلاث مرات قادما من لندن، وقابله في الخرطوم “الشيخ” علي عثمان محمد طه، ومصطفى عثمان إسماعيل، ومن لا أتذكر. وسرب الإعلام مؤخرا جلوس ومبايعة محمد عبد الحي لعمر البشير مجددا فور إندلاع إنتفاضة ديسيمبر.
الداعية مؤسس الحركة والإيديولوجية محمد بن سرور بن نايف زين العابدين توفى في الدوحة، أي قطر، في 11 نوفمبر 2016م. ويعني ذلك، أن قطرصارت حاضنة لهم، وسابقا كان السروريون في مبدأ أمرهم يعقدون مؤتمراتهم الإقليمية في الكويت. هذأ إضافة إنهم أنخرطوا في القتال في سورية بشكل صامت!!
عند هذا الحدث نتوقف.
لم تضع المخابرات المركزية الأمريكية CIA دراسة شيخ السرورية التكفيري محمد بن سرور بن نايف زين العابدين كمقابل موضوعي في مواجهة فكر الشيخ حسن الترابي؟ حقيقة هذا الحدث أذهلني. عموما، هل جئت بجديد، أم في الخمس سنوات التي انكفأت فيها كان ذلك معلوما للجميع؟ هذا الحدث جعلني أعيد مراجعة كل ما يتعلق بالشيخ حسن الترابي الإنطباعية من جديد. بل أيضا دفعني كي أتبصر منهجية بحث موضوعية وعلمية تلقي الضوء على ما حدث في الثلاث عقود الماضية لصالح إنجاح اهداف الثورة الديسيمبرية إلى غاياتها الكلية. هذه المنهجية تتمحور في: دراسة السيرة الذاتية لـ “حسن الترابي” ومراجعة كل حركاته وسكناته، ما قال أو كُتب عنه بالتفصيل، أفكاره، ومعاركه الفكرية، محاضراته، كتبه، جلساته الخاصة، أصدقائه، أعدائه، ومن عمل سكرتيرا له، أو مديرا لمكتبه، سائقا له الخ
بتعبير آخر، تجميع أكبر عدد من المعلومات data بهدف إختبار الفرضية التالية بأسلوب علمي بحت:
“أن الدولة الإسلامية (الإنقاذ) التي حلم بها حسن الترابي كـ يوتوبيا أرضية وكرس كل حياته لها تمت سرقتها منه مِن قبل دول الخليج ومن خلفهم الولايات المتحدة وإسرائيل”.
هذه الدراسة العلمية لا تنصف الرجل فحسب، بل هي ضرورة قصوى لفهم من وما هم الذين يحكمون السودان الآن، ولمن يعملون، ولماذا صاروا لصوصا، ولماذا قست قلوبهم، ولماذا أنقلبوا على شيخهم، ولماذا ساهموا بل قصدوا تقسيم جنوب السودان (التركيز على إعلان فرانكفورت وعرابها علي الحاج!!). والإجابة على الكثير من الاسئلة: هل المفاصلة “مسرحية” أم حقيقية؟ هل ظُلِم الترابي أو لم يُظلَم (بغض النظرعن موافقته عمل إنقلاب 1989م وقد ندم عليها).
من يقوم بالدراسة العلمية؟ كيف ومن يشكل لجنة لهذه الدراسة؟ من يختار أعضاءها؟ كيف يمكن تلقي “المعلومات”، أو “الإعترافات”، أو “المساهمات” لكافة السودانيين الأحياء؟ كيف يمكن تصنيفها، وتحليلها؟ في هذه النقطة، لا بد من مساهمة الدكتور حيدر إبراهيم علي (متعه الله بالصحة!!) بالرأي للإجابة على هذه الأسئلة، وترشيح نواة هذه اللجنة.
إذن، طبقا للعلمية والموضوعية، لا حكم سبقي في حق الشيخ حسن الترابي، دعوا الأحكام الإنطباعية والسبقية السياسية جانبا. دعوا الدراسة العلمية تقرر إذا كان الترابي مذنبا، مصيبا أو مظلوما، أو ظالما الخ هل هو مسئول عن كل هذه الجرائم بالكلية؟ عن كل ما حدث ويحدث في دولة “الإنقاذ”؟ تذكروا، وأكرر تذكروا، أن الكاسب الأول من نتائج هذه الدراسة العلمية هم الأحياء من أهل السودان جميعهم، الموجوعون، والمكلومون، والمنهوبون، والمظلومون والشهداء ....وأهل الانتفاضة. لأن الدراسة العلمية ستكشف عما هو مخبأ عن الفهم الإنطباعي، النمطي، العجول، ولأنها قد تكشف، إذا أوصلتنا الدراسة إلى براءة الشيخ الترابي، عن الأصابع الأجنبية التي خطفت دولة السودان عبر عملائها. دعونا ننصب محكمة للشيخ حسن الترابي تاريخية بأثر رجعي!!
الصحفية عبير المجمر (سويكت!!) من حداثة السن ما يمنعها مِن فهم مَنْ وما هو رئيس حزب الأمة القومي. نقول لها بلطف، أتركي العيش لخبازينه، أي للناس العاصروه مطولا ويفهمونه جيدا!! وربما رغبت الصحفية المبتدئة في “إثارة” معركة أو ضجة صحفية لا معنى لها (عض رجل كلبا!!)، خاصة أن التركيز الحالي هو في إسقاط النظام القائم. وفي شخص “الإمام” الصادق المهدي أقول:
1. كافة الأنظمة العسكرية التي حدثت في السودان خرجت من عباءة، أو في ظل حزب الأمة القومي. 2. أزمة 1966/1965م الدستورية سببها رشاوي الملك فيصل بن عبد العزيز لكل من الهادي عبد الرحمن المهدي ومحمد أحمد محجوب، والصادق المهدي يعلم ذلك تماما. 3. مجاراة لسوق الرشاوى الفيصلية 1966/1965م، اطلق “الإمام” الصادق المهدي “صحوته الإسلامية”. 4. “الإمام” الصادق المهدي يجيد لعبة مسك العصا من المنتصف. هذه كل بضاعته. 5. إنقلاب 1989م ما كان ليحدث لو قام الصادق المهدي بواجباته كرئيس وزراء. 6. إنقلاب 1989م ليس حدثا قائما بذاته طبقا لقانون التدافع، و“الإمام” ضيع فرصتين، الأولى: يقول الدكتور غازي صلاح الدين العتباني في بيانه الشهير: “ في شهر نوفمبر من عام 1997 ذهبت خفية رغم حساسية موقعي، باتفاق مسبق للقاء السيد الصادق المهدي في لوزان بسويسرا للتفاوض حول عودته. وكان لقاءاً بادلنا فيه الأفكار والمذكرات على عهد بيننا أن يظل مضمون التداول سراً حتى وإن افتضح خبر اللقاء. وقد وفى الرجل لعهده ووفيت وكان ذلك أولى مقدمات عودته وحزبه بعد ثلاث أعوام”، أنتهى. في مقابلة تلفزيونية مع سودانية24 في 29 يونيو 2017م، هدد “الإمام” الصادق دكتور غازي بالمحاسبة، وأدعى أن زيارة غازي له في لوزان كانت “شخصية”، بينما يقول الدكتور غازي في نفس الحلقة إنه كان مكلفا، وليست زيارة شخصية. والفرصة الثانية التي ضيعها: إتفاقية جيبوتي – 26 نوفمبر 1999م!! قال قولته المشهورة: “جيت أصطاد أرنب فأصطدت فيلا!!”. تلكأ ولم يرجع “الإمام” إلا بعد سنة كاملة، مما دفع دهاقنة المؤتمر الوطني إلى الإستعانة بـ “أحزاب الفكة”. وجلس “الإمام” في راكوبته بود نوباوي يُسلِّي الصحفيين أمثال زهير السراج ونور الدين مدني، ولكن ليس قبل أن يقبض من المؤتمرجية 3 مليون دولارا. 7. النقطة أعلاه تثبت أن “الإمام” لا يمتلك موهبة سياسية، أو رؤية علمية للسياسة، حينما يصر أن يُرجِع الجميع للمربع الأول أي بالجلوس فقط في نهاية النهر في انتظار جثث خصومه، نكاية بصهره أولا، وابتزازا للمؤتمرجية بعقل محسوب وبارد ثانيا. فقلبه ليس على هذا الشعب المسكين، بل لإثبات شيء ما في مكنون وخويصة نفسه. ومن أقواله السياسية التي صارت مثلا: “لن نقبل بنصيب الفار في عليقة الفيل"، وأيضا: “نحن ما بنتردف!!”. 8. مأساة السودان السياسية المعاصرة تمحورت جدليتها حول “شخصي” حسن الترابي والصادق المهدي، سياسيا ونفسيا، فالرجلان يتعاركان بخفية، ويتلاكمان، رغم المصاهرة، فالأول سليل أسرة المهدي الأستقراطية والثاني، من سواد الشعب من طينة وتربة الجزيرة. 9. نقترح على “الإمام” الصادق المهدي النزول للمعاش، سياسيا، وأن يعطي قيادة حزب الأمة القومي لكريماته اللائي يحظين بإحترام الشعب السوداني، إذ لم يعد من المقبول لدى الشباب من الجيل الحالي أن يقف سياسي ما، كائنا من كان، في المنطقة الرمادية في أحلك نقطة تاريخية، فالسياسة علم، وليست فهلوة، أو شطارة الخ. 10. ولقد فهمنا موقف “الإمام” في مفاوضاته مع الجبهة الثورية الذي يُعَد موقفا مائعا في مسألة أطروحة “الدولة الإسلامية” بلحاظ التغيير القادم، وكذلك في قضية محاسبة جرائم “عمر البشير” الدموية الذي لا يرى الشعب السوداني سوى حشرات، ومحاسبة كل من أذى الشعب السوداني في نفسه أو معاشه. ولم يتسلى “الإمام” بالجبهة الثورية؟ لقد فقد “الإمام” الكثير من أنصاره، لمواقفه المتخاذلة عامي 1913-1914م والمتماهية مع صهره حسن الترابي، من موقعهما في تحالف قوى الإجماع الوطني. 11. الإسلام في جوهره “علماني”، هذا المصطلح تم تحوير مدلوله من قبل بني سعود الوهابيين والإخوان المسلمين إلى “الدنيوية الصرفة”، و“فصل الدين عن الدولة”، و“الإلحاد” الخ. العلمانية secularism في بيئتها التي نشأت فيها كمصطلح لا تعني سوى “البيعة”، أي بيعة الشعب، الإنتخاب بالصناديق. ومع الأسف تم وضعها كـ “متقابلة” لمصطلح “إسلامي”، أي علماني/إسلامي، لتقسيم مجتمعاتنا، لشطرين متقاتلين. ماذا يفهم “الإمام” الصادق المهدي الذي درس ثلاث سنوات فلسفة، وسياسة وبعض الاقتصاد في بريطانيا المقولة السياسية الشهيرة: „Divide and Rule“؟؟؟ هل يظن هذه القسمة عبر النميمة؟ مثلا كأن يفتنه أحدهم مع ابن عمه الفاضل؟ 12. أما عبد الرحمن الصادي المهدق، موضوع الصحفية سويكت، أحيلها لقصة تاريخية مشهورة، حين هاجر الرسول (ص) من مكة للمدينة، طلب من عمه العباس (وكان مسلما يخبيء إسلامه، وكان نبينا يحبه لأنهما كانا في عمر واحد وأصدقاء طفولة) أن يبقى في مكة ويأتيه بأخبار مشركي قريش. وأسقط في يد العباس عندما أجبرته قريش عنوة لإختباره أن يخرج معهم في معركة بدر. وقد أسر العباس فيمن أسر يوم بدر، وكان أسره على يد أبو اليسر كعب بن عمرو وقد طلب منه الرسول (ص) أن يفدى نفسه وذويه فرفض العباس، وقال: "إنى كنت مسلما قبل ذلك وإنما استكرهونى"، قال: "الله أعلم بشأنك، إن يك ما تدعى حقا فالله يجزيك بذلك وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فأفد نفسك". وبعثت له أم الفضل من مكة بالفدية فأطلق الرسول صلى الله عليه وسلم سراحه. وعلى هذا يا أستاذة سويكت، يكون عبد الرحمن الصادق المهدي، وأمثاله الفاضل المهدي، قد ظاهر (أي ساند، عضد الخ) نظاما جبروتيا، شيطانيا، فاسدا، قاتلا. وهذا المثال ينطبق أيضا على “أحزاب الفكة” ما يسمى “الجبهة الوطنية للتغيير”، التي تضم 22 حزبا شاركوا في حوار المؤتمرجية، الذي، تطبيق مخرجاته معروف مآله سلفا. فهل تدار عملية التغيير والإنتفاضة الديسمبرية بمنطق “السبق أكل النبق!!؟”. 13. قال السكرتير السياسي للحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب: "لا مكان للذين خرجوا من الحكومة في المعارضة". والحق الحزب الشيوعي التصريح ببيان من لجنته المركزية أشار فيه الى أن تعمق الصراعات داخل النظام واجهزته وتنامي الخلافات بين اطرافه قاد الي انسلاخ "الجبهة الوطنية للتغيير" وحزب الامة (جناح مبارك الفاضل). وأضاف "هي خطوة تصب في مصلحة الحركة الجماهيرية وفي تفكيك النظام غير ان هذه القوى اعلنت البرنامج البديل المعتمد على مخرجات الحوار الوطني الذي كان الهدف منه اطالة عمر النظام والسير في نفس الطريق الذي ادى الي تدمير البلاد وافقار الجماهير وتفاقم الأزمة العامة والتي لن تؤدي الا لتغييرات اصلاحية وشكلية". 14. هل “توحيد الجبهة الداخلية على معايير وبرامج مشتركة" من قبل الدكتورغازي والصادق المهدي خطوة نحو التمسك بـعنوان “دولة إسلامية” قادمة؟ هل هي نفسها “مخرجات الحوار الوطني”؟ لننتظر ما تتمخضه هذه البرامج، ولكني أرجو أن يضعا في الإعتبار أن “السروريين”، و“السلفية البيضاء”، وبل أيضا “الدواعش” متربصين، بل مسلحين، فكيف إذن يمكن تنظيف السودان من هذه البكتريا السعودية؟ ألم يحن الوقت كي يفهم الجميع ماذا تعني “علماني”، وماذا تعني “إسلامي”؟
بعد إعلان بشة حالة الطواريء أكرر ما كتبته في المقالة الثانية 2-7: Law 15: Crush Your Enemy Totally
All great leaders since Moses have known that a feared enemy must be crushed completely. (Sometimes they have learned this the hard way.) If one ember is left alight, no matter how dimly it smolders, a fire will eventually break out. More is lost through stopping halfway than through total annihilation: The enemy will recover, and will seek revenge. Crush him, not only in body but in spirit.
ترجمة القانون 15، اسحق عدوك بشكل كامل: القادة العظام، منذ عهد موسى عليه السلام، يدركون أن عليهم سحق عدوهم المخيف سحقا كاملا. (أحيانا تعلموا هذه الطريقة الصعبة.). إذا تركت جمرة واحدة متقدة، سيان كيف يكون خفوتها ودخانها الكثيف، لكن في النهاية ستشتعل النار. تفقد الكثير حين تقف في منتصف الطريق، بدلا من إبادة عدوك كاملا. العدو سيستعيد عافيته وقوته، وسيبحث عن الإنتقام. إسحقه، ليس فقط جسديا بل أيضا معنويا.
عادة ما يضعف أية إنتفاضة وقياداتها العواطف والنيات الطيبة!! وكذلك الفشل في إستقراء أو إدراك “القرار الرسمي” بحدس يقيني إحترافي، وهو القرار الذي وضعه البشير على طاولة المؤسسات الأمنية الرسمية. ورغم إطلاق العديد من “المؤتمرجية” التحذيرات الفردية الفجة والسفيهة من البرلمان، وغير البرلمان، في حق الشعب السوداني وإنتفاضته، وحتى كبيرهم فعلها، وبعضهم زايد من منطلق الإنتهازية السياسية، ولكنا نقول، كلها لا تصلح كمادة لقراءة نوايا “العدو” الصحيحة، إذ ربما تأخذ قيادة الإنتفاضة وجمهور الإنتفاضة تصريحاتهم الفجة كردة أفعال متشنجة.
ولكن بعد أن وضعنا القانون 15 على طاولة قيادة الإنتفاضة والجماهير، يصبح ممكنا ليس فقط قراءة ماذا يكون “قرارهم الخفي” تجاه الإنتفاضة فحسب، وليس إدراك ما قرروه يقينيا فحسب، بل أيضا تصبح معرفة هذا القانون لاغية للغموض والإلتباس الذي تولده المشاعر والعواطف والنيات الطيبة، وهدفا تطبيقيا بذاته لكافة عناصر الإنتفاضة. وهو، أي الهدف، أن يعلم الكبير والصغير، لا وقوف في منتصف الطريق، إذ يجب إكمال جذوة وهبة الإنتفاضة لنهايتها، وسحق النظام الفاسد “العدو” سحقا كاملا، وليس عبر تفكيك بنيته فحسب، بل ايضا عبر سحق معنوياته كما يقول القانون.
لا وقوف في منتصف الطريق، وإلا كانت الخسارات عظيمة. لذا على قيادة الإنتفاضة، “تجمع المهنيين”، أن تطور أساليبها لجعل جذوة الإنتفاضة دائما مشتعلة بشكل مطرد وتصاعدي. فليس الخيار إنتفاضة أو لا شيء، هنالك الكثير الذي يجب عمله وتحقيقه قبل الإنتفاضة النهائية، ساعة الصفر.
فعندما يعلن البشير ومن نصحوه من الخلف حالة الطواريء أي تعطيل الدستور، والقضاء والأحكام القانونية الطبيعية، ويترك لأجهزته الأمنية وجنجويده الحبل على القارب، سيان نصحوه أمريكيون، أو قطريون أو المركز الإستراتيجي الذي يرأسه سيد الخطيب، فهم يطبقون القانون أعلاه رقم 15 من قوانين القوة، لسحق إنتفاضة الشعب السوداني. لذا ننبه “تجمع المهنيين” وشباب الإنتفاضة الثورة، لا وقوف في منتصف الطريق حتى ولو أعلن عمر البشير و“شبيحته” حكم البلاد بقانون الطواريء، وأعلم أن إعلان حالة الطواريء هو برهان يُحدِّث عن نفسه، كيف يدعي “بشة” أنه يرغب في حوار.. ويعطل أي قانون يحمي المتحاورين؟ إنها خدعة لسحق الإنتفاضة لا تمر إلا على السذج.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة