عدد مهول من الشباب يحتشدون بشكل يومي أمام القنصلية المصرية في منظرٍ غير عادي يبرهن أن الحال الذي يدفعهم إلى ذلك عسير، وأن مايدور على المدى المتوسط يفرز تعقيدات سياسية واقتصادية مختلفة. من يراقب المنظر يدرك أن هؤلاء الشبان وصل بهم الأمر مرحلة مغادرة الوطن كله. إن الظروف التي تجعل هؤلاء الشباب يصطفون من صُبح الرحمن أمام قنصلية البلد الشقيق بغرض الحصول على تأشيرة دخول مصر المؤمَّنة أمر ينبغي أن يناقش على نطاق واقعي.. الاحتشاد من أجل طلب الفيزا أصبح شيئاً ثابتاً يراه كل من يمر على شارع الجمهورية، حيث موقع القنصلية في منظر يدمي القلوب، ما نراه يؤكد أن شباب السودان أصبحوا يطرقون خيار البحث الجاد عن المخارجة الفورية من البلاد بشتى السبل. الأمر لجد مشفق حيث يستشعر كل من يفهم الحقيقة ألم شديد وبؤس لا يمكن استحماله من جنس ما وصل إليه الناس، ولعل الظرف الماثل ما عاد يحتمل الصبر على الصنيع الفطير من السياسات التي ظل ينتهجها نظام الإنقاذ على مدى ثلاثين عاماً. إن الظروف الاقتصادية الراهنة تشكل أكبر فترة للهروب الجماعي من الوطن وهي تمثل الوضع الطارد بكل تمرحلاته، ماجعل شبابنا يهجرون أوطانهم هجرة طويلة الأمد. منظر الشباب وهم يزدحمون تحت سقف الإجراءات يقطع القلب ويحاكم ضمير كل من جلس على كرسي المسؤولية الوطنية، أمر مؤسف أن يغادرها هؤلاء الشباب وهم يمثلون رأس المال البشري والطاقة الإنتاجية المضمونة لأي بلد من بلدان العالم، رعايتهم تقع على رأس أولويات أي حكومة واعية ومدركة، وأن يشد أبناء السودان الرحال إلى بلدان أخرى تستفيد من طاقتهم الجسمانية وقدراتهم العقلية يمثل أكبر خيبة للرجاء. اعتقد أن من يملأون الصفوف في القنصلية المصرية ربما غالبيتهم ممن اكتووا بنار البطالة وضعف الأجور وبالتالي أصبحوا يبحثون عن بدائل طلب العمل ولو في الصين، أجزم أن لا أحد يعرف عدد الذين يلتحقون بالجامعات في كل عام، ولا أحد يسأل إلى أين يتجهوا بعد التخرج، ثم مَن مِن المسؤولين قام بدراسة ظاهرة تزايد طلبات الخروج القسري من البلاد؟ وماهي الدواعي الحقيقية التي أدت إلى هذه الظاهرة؟ وماهي الأسباب التي تحد من ذلك؟ وماهي الترجمة الصحيحة لقراءة واقع التدافع الفعلي للخروج من الوطن زرافات ووحدانا؟ أهي ظروف قسرية تتعلق بحالات القهر الاقتصادي وانعدام سوق العمل والمحسوبية في التوظيف، أم سياسات أخرى صنعها نظام الوطني؟ شباب غض العمر يغادر وطنه بحثاً عن وضع أفضل وحياة كريمة تعزز قيم الانتماء للوطن العريض، لا أحد من المسؤولين يتطوَّع بمحاورة من يهجرون الوطن إلى بلدان أخرى؟ آلاف الأسر والكفاءات والعقول المهاجرة تذهب دون رجعة ولا أحد يفكِّر في معالجة مايحدث للكفاءات والخبرات الوطنية. لا أحد يناقش لماذا يغادرون إلى غير رجعة يذهبون إلى أوطان توفر لهم الحرية والعيش الكريم، وهناك من يحصل على تعليم مجاني وعلاج إنساني. السؤال المهم لماذا لا تفكِّر الحكومة في معالجة أسباب الهروب الجماعي من الوطن، وتقديم حلول تحد من هجرة الشباب السودانيين؟ وحتى اليوم لم تخاطب الدولة مشكلات الشباب إلا بعد الهبَّة الأخيرة واعتراف الحكومة بحقوق الشباب ودعوتها للتحاور معهم، ولكن البعض ربما يرون أن النداء الأخير ليس كافياً لدخول الشباب في حوار مباشر مع الحكومة لضعف الثقة بينهم وبين من يديرون الجهاز التنفيذي في الدولة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة