< استمعت إلى طرف من حديث رئيس الوزراء معتز موسى على إحدى القنوات، ولفت نظري أنه أقر بحق المحتجين الشباب في أن يخرجوا إلى الشارع معبرين عن وجهة نظرهم، وقال إن فهمه هي أنها (حراك شبابي) لديه مطالب مشروعة، لكن كثير من السياسيين أرادوا استغلاله للقفز إلى السلطة .. و قد تردد مثل هذا الحديث على لسان كثير من مسؤولي الحزب الحاكم بمختلف المستويات.. وكأنه كلام لقنوه لهم في جلسة خاصة أو اجتماع حزبي، وطُلب إليهم الالتزام به كخطاب رسمي في مواجهة الإعلام والرأي العام.. ويبدو أن السيد معتز التزم به كغيره في لقائه يوم السبت الماضي ببعض كتاب الرأي ورؤساء التحرير بمنتدى جريدة (السوداني). < هذا الخطاب إذا ما تعرض للتفكيك والاختبار المنطقي والتبصر في مضمونه، فسيصبح من قبيل (الكلام اللا يودي ولا يجيب).. فكون الاحتجاجات بدأت شبابية فلا غرابة في ذلك وليس فيه جديد، فقد عشنا ورأينا ذلك يحدث من قبل في انتفاضة مارس – أبريل 1985، وقبلها في ثورة أكتوبر 1964.. حيث كان الطلاب والشباب هم مُشعلوها ووقودها، حتى غنى المغني (وكان القرشي شهيدنا الأول).. أما الإقرار بمشروعية المطالب، التي فجرت الاحتجاجات (الخبز، الوقود و السيولة المحتجزة) قبل أن يرتفع السقف بعد قليل من انطلاقتها، وإذا شئنا الدقة فهو كان مرتفعاً أصلاً منذ الأيام الأولى للاحتجاجات، ذلك لأن الشعب السوداني هو بطبيعته وتربيته شُعب مسيس .. ويدرك جيداً (علاقة الاقتصاد بالسياسة)، وما حدث في هبتي أكتوبر وأبريل يتكرر، حذو النعل بالنعل، بعد ثلاثين عاماً.. فالشباب الذين خرجوا و(تقولون أن مطالبهم عادلة) فهي مطالب لا تخصهم وحدهم كشباب، فالخبز و الوقود والنقود تؤثر على كل أفراد الأسرة.. أما التحاق القوى السياسية بهذا الحراك، فليس غريباً هو الآخر، وقد حدث الشىء ذاته في المرتين السابقتين.. ويلوم السيد معتز القوى السياسية لأنها وقفت تساند الحراك.. ويتهم سلوكها هذا بالانتهازية بقوله أنهم (أرادوا استغلاله للقفز إلى السلطة).. وهو كلام مردود وغريب أن يصدر ممن هو في السلطة، وقفز اليها حزبه و جماعته (قفزاً) عبر الانقلاب على نظام ديمقراطي لم يُكمل دورته الانتخابية الأولى.. وأذكِّر السيد رئيس الوزراء بأنه في ظل الديمقراطية وأشراطها ليس في مقدور سياسي أن (يقفز) إلى السلطة بل يصل اليها عبر صناديق الاقتراع (النظيفة) إذا ما طرح على الناخبين برنامجاً يقنعهم بالتصويت لصالحه. < هذه واحدة، أما المسألة الأخرى التي تعرَّض لها رئيس الوزراء وتستحق النظر والتدقيق، فهي (قضية الفساد)، فبحسب (باج نيور): طالب معتز – في المنتدى المذكور أعلاه- بإبراز البينات والشواهد التي تدل على فساد عدد من أعضاء الحكومة، ومنهم شخصه قائلاً: (حتى لا يكون الكلام معمم.. أنا شخصياً عاوز دليل يؤكد فسادي، حتى لا نسيء للناس).. مشيرا إلى وجود دربين للفساد: (عن طريق اجهزة الدولة أو استغلال نفوذ بآلياتها).. وبرغم صحة الجملة الأخيرة، وبعيداً عن الشخصانية التي لجأ إليها السيد معتز لتبرئة دولته من تهمة الفساد.. إلا أن مطالبته لكل من يتحدث عن الفساد لأن يبرز (البينات والشواهد)، أي الأدلة المادية، هو ذات الكلام القديم الذي ظل الناس يسمعونه على مدى عقود، و يحتارون في ترديده و تكراره كلما تطرق الناس للحديث عن الفساد. < وفي هذا، نقول لسيد معتز إن مطالبة الناس بإبراز الدليل المادي على (وقائع الفساد) المحددة، كتقديم الوثائق والبينات الملموسة والشهود، هو بمثابة استخفاف بعقول المستمعين.. فأهل السودان وببصيرتهم النافذة كانوا يقولون منذ قديم الزمان (البسرقك أبصر منك)، فقد تعلموا من خبرتهم الممتدة مع حوادث النهب والسرقات أن من يفكر في ارتكاب تلك الجرائم يتبصر ويتدبر أولا في كيف ينجو بفعلته من الملاحقة القانونية، أو حتى المطاردة القبلية “الفزع”، بأن يمحو من ورائه كل أثر يدل على الجريمة.. فما بالك سيد معتز بمن في يده سلطة الأمر والنهي على من هم حوله أو دونه..فهو لابد أن يكون أكثر دُربة وأشد بصارة في تطويع كل تلك السلطات لحماية نفسه و الإفلات من العقاب. * ومع ذلك نذكر رئيس الوزراء بالقرارات الرئاسية المتكررة بتشكيل الهيئات والمفوضيات الخاصة بملاحقة الفساد، وبتقارير المراجع العام السنوية عن نهب المليارات من دواوين الدولة، وعن رفض العديد من الوحدات الحكومية أن تخضع للمراجعة أو تمتد إليها يد المحاسبة.. هذا غير ما تعلمه أنت وما هو شائع و منشور عن الحملة الأخيرة على الفساد التي طالت رموزاً أمنية و مالية معتبرة، ولم تتمكن الدوائر العدلية أن تفعل معها شيئاً سوى اللجوء لـ(التسويات و التحلل).. ما يعني أن الفساد استشرى في أجهزة الدولة باعتراف الحكومة ذاتها، مع فشلها في إثباته بالأدلة والبينات التي تطالب غمار المواطنين بها! < أخيراً، وهذا هو المهم، في ظل الإنكار أو (الاعتراف الناقص) بحقائق الفساد.. هو أن هذا السودان بلد مفتوح، و
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
مقالات سودانيزاونلاين
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست