تأسس الحزبين الشيوعي و الجمهوري على أسس متينة من الوعي الثوري الوطني و المفاهيم الفكرية السياسية ، الإقتصادية ، الإجتماعية و الثقافية بالرغم من إختلاف الأيدولوجية للحزبين و كان بالأمكان أن يكون لهما مستقبل باهر في عملية نهضة وتطور السودان و قيام الدولة الحديثة من خلال المفاهيم الثرة التي يتمتع بها و يحملها الافذاذ من الكوادر الوطنية المنتظمة و المنظمة ضمن عضوية الحزبين و كانت بمثابة هاجس و مشكل أساسي للاحزاب العقائدية التقليدية ( أحزاب السيدين ) التي تتمثل في الأمة والإتحادي و الإسلاميين التقليديين الذين إمتطوا مسميات عديدة التي إكتسبوها من جراء الإنتهازية الإنقلابية المتوارثة من زعيمهم وهي الأخوان المسلمين ، جبهة الميثاق ، الجبهة الإسلامية القومية ، الحركة الإسلامية و إلخ ،، وهم من نقلوا عدوى الإنقسامات والتشظي للقوى السياسية و يجيدون التجسس على بعضهم و حياكة المكائد والمكر الخبيث في سياسة التفكيك و هذا ديدنهم !! ( المغفرة و الرحمة للمرحوم بابكر كرار مؤسس الجماعة ) . منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي إبان العهد المايوي بدأت عملياً محاربة وتصفية كل من الحزبين الشيوعي و الجمهوري عبر نظام الحكم و بأيدي خفية تارة و علنية تارة أخرى و هنا لعبت الجبهة الإسلامية دوراَ كبيرا في الخفاء و الشعب السوداني كان يعتقد بأن نميري ضد الإسلاميين لكن العكس كان يخشاهم ويتحاشاهم في بعض الأمور و لسر العلاقة بينه و الشيخ الزعيم ، حيث قام نميري بإبعاد الشيوعيين خوفاً من توجههم العلماني و لجهل الغالبية من الشعب السوداني عن مفهوم التنظيم الشيوعي و فكره المتقدم ، و خاصة في مناطق الهامش والاقاليم الطرفية التي كانت مغيبة بإسم الدين من قبل الإسلاميين و أحزاب السيدين التي تعمل على تكفير الشيوعيين و الإخوان الجمهوريين ،،، و في هذا الصدد انا شخصياً أعتبره تقصير من الحزب الشيوعي لانه كان يعمل في وسط المثقفين و المثقفاتية وأهمل القواعد المهمشة و العمالة الكادحة ليفسح المجال للأحزاب التقليدية الإسلاموية لإستغلال تلك القواعد بإسم الدين و تسييس الدين لأغراضهم السياسية والشخصية . العهد المايوي أتاح فرص كثيرة للجبهة الإسلامية للعمل و إتساع رقعة التنظيم خصوصاً عندما أشركهم نميري في السلطة و حثه بتطبيق الشريعة الإسلامية و التي عرفت بقوانين سبتمبر 1983م آنذاك و رفضها الأخوان الجمهوريين بإعتبارها لا تمت للشريعة الإسلامية بصلة و مهددة لوحدة البلاد وأدت إلى تصفية و إضعاف الجمهوريين عبر محاكمات كيدية هزلية إنتهت بإعدام الشهيد الاستاذ محمود محمد طه الذي كان يمثل هاجساً و منافساً شرساً للجبهة الإسلامية نسبة للمفاهيم الفكرية المتقدمة التي ينتهجها الأستاذ و تلامذته ، لذا كان لابد من التخلص منهم و قوانين سبتمبر كانت مطية ومن إنتاج الجبهة الإسلامية مثلها مثل الجهاد الذي راح ضحيته العديد من إعتقدوا المصداقية في الشيخ الزعيم بأن الجنة مثواهم حيث يجدون الحور العين،، و سرعان ما أعلنهم مجرد ( فطائس ) . الفارق كبير وشاسع من حيث المفاهيم الفكرية المتطورة و المتقدمة لدي الحزبين الشيوعي و الجمهوري و رؤيتهما المتطورة في السياسة ، الإقتصاد و الثقافة لخلق مجتمع مدني متحضر لذلك تفوقوا على الجبهة الإسلامية و الأحزاب التقليدية ( الإسلام التقليدي ) الذين يمتازوا بالخطاب الطويل الممل ذو التنظيرات الجوفاء و الخطب الرنانة الديماغوجية ( كثير الكلام ، قليل الفهم ، عديم الفعل غير قادر للعمل ) و كما ذكرت آنفاً و لمصلحة الحركة الإسلامية ضرورة التخلص من الحزبين و بعد ان تمت عملية الإبعاد و التصفية فقد الوطن خيرة أبناءه من الرجال الشجعان و الأفذاذ ذوي العقول النيرة ، ثم سرقت أفكارهم بإنتهازية خبيثة و جريئة و للأسف لم تترجم كما هي لإصلاح حال الوطن و المواطن بل طبخت بعناية فائقة و وظفت لتكوين إمبراطورية حكم اللامنتهى لمصلحة الحركة الإسلامية و حزبها الحاكم و احزاب الموالاة لتدمير الوطن و إذلال أبناءه . الأخوان المسلمين بدأت خلافاتهم منذ بداية تأسيس تنظيمهم و جل إنقساماتهم كانت غير موضوعية بل مبنية وتستند على الأهواء الذاتية و الإنتهازية و المصالح الشخصية التي تجسدت في شخصية الشيخ الزعيم الذي عمل جهده على إزاحة كل المؤسسين للجماعة و كذلك حرصه على ان لا تكون جماعة الإسلاميين بالسودان نفيضة الأخوان المسلمين في مصر و لا حتى إمتداد لهم ، و من ثم إنفراده بزعامة ما يسمى بالجبهة الإسلامية القومية . و من هنا بدأت الجبهة العمل على التخطيط و التدابير بإنتهازية و إقتناص الفرص لكيفية الوصول للسلطة بكل ما أوتوا من وسائل خبيثة ،، وقتها كانوا لا يملكون المال لذا إستعانوا بأفكار الشيوعيين و الجمهوريين لكن وظفهوها بما يتماشى وفق مصالحهم و ليس في مصلحة الوطن و المواطن وخاصة المجال الإقتصادي االذي بدأ العمل عليه تنظيم الخرطوم و منذ ذلك الحين بذلوا قصارى جهدهم خلال فترة العهد المايوي حيث كانت سانحة كبرى لهم و أمتلكوا المال وسخروه حتى في إستقطاب الطلاب والجيش والقوات النظامية الأخرى و موظفي الخدمة المدنية في جميع القطاعات و ذوي النفوس المريضة و الحاجة ، الشعب السوداني كان بريئاً يتمدي على مقدار لحافه لكنه بدأ يتمدى أكثر ويتمدد بعد أن عملوا على إفساده و بات يتمادى في الفساد على جميع الأصعدة سياسياً ، إقتصادياً ، إجتماعياً و ثقافياً كما قالها الشيخ الزعيم قبل مماته في إحدي لقاءاته الرسمية بأن ( كثيرون جيوبهم مع النظام و قلوبهم مع أحزابهم ) . وصول الجبهة الإسلامية القومية للسلطة عبر الإنقلاب الذي كان من تدبيرها و إستغفال العسكريين الذين قاموا بالتنفيذ كان كارثة الوطن المشئؤم الذي جثموا على شعبه ثلاث عقود من الزمان ، وصدق الشهيد الأستاذ محمود محمد طه عندما قال ( من الأفضل للشعب السوداني ان يمر بتجربة حكم الجبهة الإسلامية ، إذ لا شك ستكون مفيدة لهم للغاية لأنها ستكشف لأبناء هذا البلد مدى زيف شعارات هذا التنظيم الذي سوف يسيطر على السودان سياسياً و إقتصادياً ولو بالوسائل العسكرية ، و سوف يُذوقُون الشعب الأمَرين ويدخلون البلاد في فتنة تحول نهارها إلى ليل ، وستنتهي هذه الفتنة فيما بينهم و عندها سيُقتَلعُون من أرض السودان إقتلاعاً ) . م/ علي الناير
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة