لماذا نشعر بالحنين لأرضنا الأم و نحن في إغتراب بعيدين عنها ؟ ، و لماذا يتحيَّز الإنسان دائماً إلى مسقط رأسه دون الأقاليم الأخرى ؟ ، و لماذا نعتقد دائماً أن البيئة التي نشأنا فيها و تربينا فيها الأمثل و الأوفق بين كل أشكال البيئات التي ننتقل إليها أو تحيط بمكان تواجدنا ؟، هل هي الفطرة الإنسانية التي تعمل بالضرورة على الربط العاطفي غير المشروط بين الإنسان و الوطن ؟ أم أن الأمر مجرد حالة تعوُّد و تجانس مصطنع أو مكتسب يربط الإنسان بالمكان الذي في ما بعد أُطلق عليه ( وطن ) ، و هل الوطن مجرد مكان و جغرافيا و تضاريس و مناخ ؟ ، أم هو مرتبط بأشياء أخرى كالمجتمع أو الناس من حولك الذين يشاركونك فيه ، و هل للزمان مكان في تحديد إرتباط العاطفة الوطنية بالإنسان ؟ ، أسئلة كثيرة و متشابكة ، دارت برأسي و أنا أتابع عن كثب تطور فكرة ما كنا نسميه بالإغتراب في زمان سابق ، عند الشباب إلى مفهوم آخر يشبه أو يُطابق ما أتفق عليه إصطلاحاً بالـ ( الهجرة ) .. و للوهلة الأولى يبدو الفرق واضح بين المصطلحين أو المفهومين ، فالإغتراب مؤقت و أسبابه محدده و أهدافه معروفة و مدته تنتهي في العادة بإنتهاء أسبابه ، أما الهجرة فهي على ما يبدو من ما يتحدث به شباب اليوم فإنها نهائية و غير محدده بأهداف مرجوة ( كل المطلوب الإبتعاد عن دائرة العجز و اللا مستقبل ) ، إذن فالأمر على ما يبدو ثقافة جديدة تلعب فيها الدولة دوراً غير مباشراً لما آلت إليه الحالة الفكرية و الثقافية و الإقتصادية للشباب السوداني ، فالظلامية المترامية في مستقبل السواد الأعظم من جيل اليوم المنتمين إلى قوائم تصنيفية مختلفة ، خريجون و حرفيون و فلاحون ورعاة و غيرهم ، لا إشارات واقعية تشير إلى أنهم سيحصدون ما حصدته أجيال سابقة و لو على حد الرمق ، فيما يتعلق بتحقيق الأمنيات ( العادية ) و الضرورية التي تكفل لهم مجرد الإنضمام إلى ( أرتال المعذبون في الأرض ) الذين يجوبون شوارع الوجع الرسمي في وطن الهموم و المصاعب الحياتية التي تنقطع ، حتى من ذلك هم مستثنون و لا سبيل لهم للخوض في لهيب المعاناة ، لأن المعاناة في وطننا السودان تبدأ بحصولك على عمل ، و هذا أصبح من المستحيلات إذا لم تكن تحظى بوساطة أو إنتماء سياسي لأهل السلطة و النفوذ ، و لما كانت المناهج المدرسية و ما يُبث في الأجهزة الإعلامية على شتى مشاربها من معالم فكرية و ثقافية ، غير محايدة و لا مأمونة على تدوين سجل التاريخ الوطني الذي سبق و لا محايدة في تحليل ما يحدث الآن من حِراك سياسي ووطني ، كان من الطبيعي أن يؤثر ذلك في عقلية الشباب و عواطفهم الوطنية التي يكنونها للوطن ، لتتقلص حدود الإحساس الوطني في ذواتهم بمطالبهم الشخصية و إحتياجاتهم الأسرية على أقصى تقدير ، سؤال يجب أن يخطر على البال : ما الذي يجعل كل زورق للهجرة السرية إلى أوروبا أو غيرها لا يكاد يخلو من عدد من شبابنا النضر رغم أن نسبة النجاة من الغرق في أغلب الأحيان تكون أقل من 5%؟؟. سؤال آخر أكثر أهمية : ما الذي جعلهم اليوم يؤمنون بالوطن و نجاته من وهدة الفقر و التسلط و الجبروت ؟.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة