أنا من دعاة تبسيط الأمور ، و تحليلها إلى عواملها الأولية ، و ليس ذلك بالطبع من باب الإستسهال و التكاسل عن بذل طاقة الجسد و الفكر فيها ، بقدر ما هو جنوح للوصول للحقيقة بأسرع وقت ممكن و لو ضاق ( باب ) الدخول إلى عالمها الساطع ، و كنت منذ زمان ليس بقريب يراودني الشعور بالحزن و الألم كلما تأملت التعقيدات التي وصلت إليها قضية السودان في المجال السياسي بفرعياته المتعددة و التي يأتي في مقدمتها التداول السلمي للسلطة و إحترام حقوق التعدد الإثني و العقدي و الثقافي الذي هو سمة إيجابية تتميَّز بها الأمة السودانية ثم من بعد ذلك الإقتسام العادل للثروة ، و غيرها من الفرعيات التي قد تبدو للمتأمل من الوهلة الأولى كتلة من التفاصيل و التعقيدات التي يصعب أو يستحيل الوصول فيها إلى حلول ناجعة ، خصوصاً إذا كانت زاوية النظر هذي مستصحبة بين طياتها ما تعانية السلطة الحاكمة من داء إرتبط بإستمساكها اللا محدود و اللا مشروط بكرسي الحكم و بالتالي إبتعادها الإستراتيجي عن أيي حلول تدعو للتنازل و التضحية ، و من جهةٍ أخرى تقبع المعارضة على شتى تجمعاتها و أشكالها في نفس المربع المتعلق بفكرة الحصول على نسبة كلية أو جزئية من الوجه الشكلي للمشاركة السياسية و المسمى ( الجلوس على كرسي الحكم ) ، لكل ذلك أقول أن الفرقاء جميعاً في المعترك السياسي ليسوا مطالبين أبداً بالإتفاق على كل شيئ ، بل إن آلية التفاعل السياسي تفرض عكس ذلك من باب أن الإختلاف حول القضايا من منطق ( الجدل ) الإيجابي و الذي أقرته الشريعة الإسلامية ( وجادلهم بالتي كانت هي الأحسن ) ، إذن فالإتفاق على كلمة سواء يجب أن يكون حول الأساسيات التي ستشكل إطاراً دستورياً يرتضيه الجميع ، تنطلق منه بعد ذلك فكرة الإختلاف و الجدل حول الفرعيات مما سينتج نوعاً من الفحص الدقيق للقضايا و يجعل القائمين على أمرها أكثر إطلاعاً على زواياها المختلفة و الخفية ، فضلاً عن بيان و توثيق مواطن المصالح و المخاطر التي تنطوي عليها ، و بالرغم من أن تبسيط ما يجب أن يتفق عليه الفرقاء السياسين ينحصر في جملة واحدة هي ( التوافق على تأمين نظام سياسي عادل في مجال تداول السلطة و التساوي في الحقوق و الواجبات عبر إحترام التعدد بشتى أشكاله و بسط سلطة الدستور و القانون على الجميع ) ، يجعل من السهل أن تحصل الأمة السودانية على إنجاز سريع فيما يتعلق بقضاياها الملحة و المتعلقة بإيقاف الحرب في دارفور مما يسمح بإمكانية نماء إقتصادي ، و كذلك إفشاء نظام ديموقراطي قادر على التعبير الحقيقي عن إرادة الجماهير السياسية ، فضلاً عن إيجابياته المتعلقة بإطلاق حريات كثيرة مستلبة في الأنظمة الشمولية ، من أهمها حرية الممارسة السياسية و حرية التعبير مما يضفي شفافية إجبارية تؤثر إيجاباً في مؤشرات الفساد السياسي و الإداري و الفكري ، كل ذلك جعلني متأكداً أن مجرد الإتفاق العام حول إرساء نظام ديموقراطي و دستور يحترم التعددية ، سيؤدي ( تلقائياً ) إلى تقويم كل الأمور الفرعية ، فكل ما يُبنى على مبدأ العدالة المحضة لن ينتج في شكله و فحواه غير نفس المعنى ، و كل ما بني بالباطل و القسر و الإجبار تشوب نتائجه آفة الردة و النكوص و التوجس ثم التمرد ، إن إشكالية السودان الحقيقية هي إفشاء روح العدالة إبتداءاً من تداول السلطة و إقتسام الثروة و تحقيق الهوية المتعددة في شتى مسمياتها و أشكالها ، بعد هذا سيستقيم أمر كل خلاف ( فرعي ) و سيسهل جداً الوصول فيه إلى حلول سريعة و ناجعة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة