لا شيء يمكنه مقاومة إرادة الشعوب، فهي على استعداد للتضحية بوجودها من أجل الوصول لأهدافها وتقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وولخ.. بينجامين دزرائيلي. في الأسبوع الماضي كتبت مقالاً نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان (ننصح الأخوة الجنوبيين ببناء بلدهم وعدم التدخل في الشئون الداخلية للحركة الشعبية شمال). لكن هذا المقال الناصح، أزعج بعض الرفاق من أصحاب المواقف الرمادية حتى كتب لي بعضهم في الخاص وهم في حالة من الغضب الشديد كون مقالي حسب زعمهم مس قادة جنوب السودان الذين تربطهم علاقة تأريخية بالحركة الشعبية -شمال، وهو الشيء الذي لم انكره ابدا، بل في مقالي المذكور هنأت دولة الجنوب شعبا وحكومة على اتفاقية السلام التي وقعوا عليها مؤخراً، وثمنت على مساعيهم لتقريب المسافة السياسية بين الفرقاء السودانيين المتعاركين لتحقيق السلام في بلدهم الممزق. عندما كتبت عن خبر لقاء مالك عرمان والحركة الشعبية -شمال في جوبا بطلب من الرئيس سلفاكير ميارديت من أجل ما اطلقوا عليها بوحدة الحركة الشعبية وما أدراك ما الوحدة. اعتمدت في مقالي على تصريحات وزير خارجية جنوب السودان السيد مايكل مكوي وعلى أخبار من بعض الصحف السودانية، ولاحقا اتضح صحة الأخبار التي وردت في مقالي، حيث قال أتينج ويك أتينج، السكرتير الصحفي للرئيس سلفاكير، في تصريح لراديو تمازُج الإثنين الماضي، إن قادة فصيلي الحركة الشعبية قطاع الشمال، مالك عقار وعبد العزيز الحلو، سيصلون إلى العاصمة جوبا الأسبوع المُقبل لبدء المحادثات لتقريب وجهات النظر بشأن توحيد الحركة قبل الدخول في محادثات السلام مع الخرطوم برعاية الرئيس سلفاكير. وأوضح أتينج أن مبادرة سلفاكير، يهدف إلى تحقيق السلام في جنوب كردفان والنيل الأزرق، مبيناً أن الرئيس كير يربطه علاقات تاريخية مع قادة الحركة الشعبية شمال قبل انفصال جنوب السودان. وأبان أتينج أن الاجتماعات المباشرة ستبدأ عقب وصول الوفود إلى جوبا، مشيراً إلى أن حكومة الخرطوم وفصيلي الحركة الشعبية شمال رحبت بالمبادرة الجديدة. هذا الخبر على لسان السكرتير الصحفي للرئيس سلفاكير ميارديت، إنما في اعتقادي يعد خلطا متعمدا للأوراق، ذلك أن الرفاق في دولة الجنوب كانوا قد منعوا عرمان ومالك عقار من دخول دولتهم حتى وقتٍ قريب جدا جدا، كون مجلس تحرير المنطقتين قررا اقالتهما من قيادة الحركة الشعبية -شمال، وأن هناك مؤتمرا استثنائيا عقد وجاء بقيادة جديدة منتخبة من قبل شعب المنطقتين، فلماذا هذا الموقف الجديد من جنوب السودان؟ بالطبع، لا نريد اتهام الرفاق بدولة الجنوب بسوء النية في مساعيهم لمساعدة الحركة الشعبية -شمال بحكم العلاقات التأريخية لتوحيد صفوفها إذا كان هناك انشقاقا حقيقيا. لكن الحقيقة هي أن الحركة الشعبية لتحرير السودان لم تنشق ابدا حتى تُعقد اجتماعات هنا وهناك للم الشمل، على غرار ما حدث في عام 2013م وعام 2015م في جنوب السودان مثلا، بانشقاق الحركة الشعبية بقيادة رياك مشار وسيطرتها على مناطق جغرافية واسعة. وعليه وللمرة الألف، نوضح الاتي: 1/ أن هناك مؤتمرا استثنائيا عقد، وحضره وفود من كل فج ومكان. 2/تم انتخاب قيادة جديدة. 3/الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال لم تفصل عقار عرمان من عضويتها. 4/سعى الرجلان بعد اقالتهما من قيادة الحركة الشعبية مباشرةً إلى تكوين جسم موازي وبذات الإسم لكنهما فشلا، والجلوس اليهما تحت عنوان توحيد الحركة إهانة للتنظيم. 5/الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال، تنظيم عملاق يجب ألا يرتبط بالأشخاص. 6/مجرد الجلوس إلى مالك عرمان تحت أي مسمى كان، يعتبر قفزاً على قرارات مجلس التحرير ونتائج المؤتمر الاستثنائي. وتأسيسا، نقول للرفاق في دولة جنوب السودان. نشكر سعيكم وحرصكم على مصلحة الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال، لكن كما تعرفون ويعرف الجميع، فالشعب في المنطقتين -جبال النوبة والنيل الأزرق، قال كلمته في مؤتمره الاستثنائي في شهر أكتوبر 2017م، وعليكم احترام إرادته وقراراته وعدم القفز عليها. أما فيما يتعلق بعملية السلام في السودان بصفة عامة، فالحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال، كانت دائما وأبداً تبحث عن "سلام"، لكن عن أي (سلام) وغياب الحرب لا يعني بالضرورة وجودا للسلام؟ السلام الذي تبحث عنه الحركة الشعبية هو ذلك السلام الذي يقوم على الشروط التالية: 1/الإدارة السلمية للتعددية. ويقصد بها وجود إدارة سلمية، تحفظ للجماعات المتنوعة التي تعيش مع بعضها بعضا مساحة للتعبير عن تنوعها في أجواء من الاحترام المتبادل. 2/الاحتكام إلي القانون. ويقصد به -مساواة الناس أمام القانون بصرف النظر عن الاختلاف في اللون أو الجنس أو الدين أو العرق وولخ. 3/الحكم الرشيد. ويقصد به حكما ديمقراطيا يقوم على المساءلة والمحاسبة من خلال تفعيل دور المؤسسات السياسية، والمؤسسات الرقابية، والصحافة، ومنظمات حقوق الإنسان. 4/حرية التعبير. ويقصد بها تمتع كل مكونات المجتمع بمساحات متساوية في التعبير عن آرائها، وهمومها، وطموحاتها دون قيود وشروط. وإذا توفرت الشروط المذكورة، فإن تحقيق السلام في السودان سيكون ممكنا دون تدخل أي طرف خارجي. أما غياب هذه الشروط، فيستحيل معها تحقيق أية عملية سلمية في البلاد ولو بتدخل أو بوساطة من رئيس دولة الجنوب الرفيق سلفاكير ميارديت أو غيره. وفي الختام.. نقول، لا نريد سلاما مشوها يأتي تحت ضغوطات خارجية أياً كانت أطرافها، لأن مثل هذا السلام سيكون خيانة للذين قدموا أرواحهم رخيصة للقضية، وسيعيدنا مجددا إلى مربع الحرب. وكما قال نبينا الراحل/جون قرنق دي مبيور، فاستمرار الحرب أفضل من سلام هش وضعيف.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالغني بريش فيوف
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست