أحياناً نؤيِّد و نناصر بعض القيِّم الأخلاقية النبيلة بلا كابح و بالمطلق ، غير أن بعضها قد ينطبق عليها في كثيرمن الأحيان المثل السوداني الشهير ( البزيد عن حدو بِنقلِب ضدو ) ، فمجافاة الوسطية و عدم الإسراف و المبالغة قد تفسد الأشياء و أحياناً القيِّم التي أتفق حولها الناس ، فعلى سبيل المثال : لا يختلف إثنان على أن الإعتذار فضيلة كبرى و هو وجه لكثير من الفضائل الأخرى التى أيَّدها الدين و القانون و العرف كالتواضع و العدالة و إيفاء الحقوق لأهلها ، لكنه إن زاد عن حده و أصبح مُجتراً و فجاً و مبالغاً فيه ، فهو بلا شك يفقد معناه و تأثيره الإيجابي على المعتذر و الآخرين ، فكم من أناس نعرفهم في حياتنا إستمرأوا فضيلة الإعتذار و جعلوها أداةً للتهرب من المسئوليات و وسيلة للإحتيال على حقوق الغير ، و سبباً دبلوماسياً للتنصل عن تعويض الغير بما تم خسرانه بسبب الأخطاء سواء أن كان مادياً و معنوياً ، فالإعتذار المتكرر يجعل صاحبه معتاداً على الخطأ طالما كان الآخرين دائماً على إستعداد لقبول إعتذاره و أسفه على ما بدر ، ومن ناحية أخرى قد يكون الجنوح الى كثرة الإعتذار في معالجة مشكلات التواصل الإجتماعي و المهني و غيرها من المجالات الحياتية التي تدفع بالفرد للتواصل مع الآخرين ، مؤشراً واضحاً إلى ضعف الشخصية و إهتزاز ثقة الفرد في نفسه ، و إفتقاده إلى المهارات الأولية المتعلقة بأسس التواصل الإجتماعي و المهني و غيرها ، لذا من الضروري أن ينتبه الآباء و الأمهات و المعلمين و المسئولين عن وضع المناهج التربوية ، إلى ضرورة إستصحاب علم النفس الإجتماعي في أضابير ما يُقدمونه للأطفال في بداية تكوين شخصياتهم التي غالباً ما تعكس إنطباعاتهم و تعاملاتهم و توجهاتهم ، فضلاً عن أساليبهم في التعامل مع المشكلات المتعلقة بالتواصل مع الآخرين ، كل ما تم ذكره سابقاً هو في الأصل علم من العلوم الهامة و المعتمدة و التي غفلنا عنها على المستويين الرسمي و الإجتماعي ، و هناك الكثير من القيِّم الأخلاقية المُثلى التي يمكن أن يكون الشطط في تدوالها و تفعيلها مؤشراً لسلبيات كثيرة متعلقة بالسلوك الشخصي ، فالكرم إن مس صاحبه في قدرته على الوفاء بإلتزاماته الملحة تجاه من يعولهم يصبح نوعاً من السفه و سوءاً في إدارة و تقدير الأمور ، و الشجاعة إن زادت عن حدها العقلاني و المنطقي أصبحت تهوراً و تسرعاً و باباً لإلقاء النفس في التهلكة ، من الضروري أن نرى بعيون فاحصة ما ذا تفعل الوسطية في ما يختص بتجميل و تقويم القيِّم و الأخلاقيات التي أتفق الناس على نُبلها و قداستها ، لكي نستطيع أيضاً و بنفس الوضوح أن نرى ما يفعله التشدد و الإسراف في كل ما هو ما جميل حولنا ، الدين و حرية الفكر و التعبير و التعايش و التواصل العرقي و الثقافي و غيرها من المجالات إن شابها العنت و التعصب و إفتقدت إلى الوسطيه التي هي مركز الحكمة و الفكر و السياسة ، لم تعد في كل مكان و زمان قادرة على التناسق مع فطرة الإنسان المجبولة على الإجتماع و التأثير و التأثر ، كل ما زاد عن حده الطبيعي كانت نتائجه سلبيه و عكسية ، حتى النيل إذا زاد حد فيضانه أغرق الناس و الزرع و المال .. فيصبح نقمة بعد أن كان نعمة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة