مؤتمرات اقتصادية وتصريحات حكومية من وزراء مختلفين وحتى من رئيس الدولة نفسه ؛ تتحدث عن ضرورة جذب استثمارات أجنبية للسودان. وقد صدر قانون تشجيع الاستثمار منذ وقت ليس بالبعيد وظل في حالة تعديلات مستمرة ، دون أن يؤدي ذلك الى اي نتائج ملموسة. قانون الاستثمار الذي اعطى اعفاءات ضريبية وجمركية أدى الى فقد خزانة الدولة لملايين الدولارات بسبب الفساد واستغلال هذه الاعفاءات من قبل شركات المسؤولين في الدولة والنافذين وأقاربهم ؛ فصار كل واحد يدرج مؤسسته كمؤسسة استثمارية للاستفادة من الاعفاءات ؛ وهكذا بدلا عن أن تؤدي هذه الاعفاءات لجذب مداخيل جديدة أفضت الى سرقة الخزينة العامة. وفي الواقع فالاعفاءات المالية هي اقل المحفزات التي يهتم بها اي مستثمر أجنبي ؛ فهناك عناصر كثيرة أخرى لتقييم القابلية للاستثمار في دولة ما او الاحجام عن الاستثمار فيها فعلى سبيل المثال : يعتبر حجم السوق المحلية أهم حوافز الاستثمار فدولة ضعيفة كالسودان من حيث السوق المحلي وضعف نموه لا تشجع أبدا على الاستثمار. كما أن السياسات الاقتصادية المستقرة هي أول ما يطلبه المستثمر ؛ فلنلاحظ مثلا خلال الأشهر الماضية عدد القرارات المالية التي صدرت من بنك السودان. لو كنت مستثمرا أجنبيا فتفكيري في الاستثمار في السودان سيكون تفكيرا انتحاريا بمعنى الكلمة. يكفي ان الحكومة تستطيع فجأة ان تتخذ قرارات مفاجئة تدمر اي مشروع اقتصادي. فلنحسب عدد هذه القرارات التي صدرت اولا بالغاء العملة فئة خمسين جنيها ثم طرح عملة جديدة ثم الغاء الجديدة واعادة العملة القديمة ثم امتناع البنوك عن صرف مبالغ المودعين لديها ثم تحديد سقف الصرف ، وادعاء البنوك ان هذا تنفيذ لقرارات بنك السودان المركزي ثم انكار البنك المركزي لادعاءات البنوك وتحميل المسؤولية لهذه الأخيرة ، .. يمكن للحكومة فجأة -ودون مراعاة لأي وضع- أن تتخذ قرارات مفاجئة عنترية ؛ تخيل عدد مصانع الاكياس البلاستيك التي تضررت من قرار المنع ؛ ثم فوجئنا بوجود اكياس بلاستيك أخرى تباع عبر الحكومة او نافذيها بأسعار خيالية وصل فيها سعر الكيس الواحد لخمسة وعشرة جنيهات ؛ ... تخيل كم القرارات السياسية التي اتخذت في قطع علاقات مع دول أخرى ومشاكل الحظر الاقتصادي واختلال سياسات الدولة مع المجتمع الدولي ، وقرارات تتعلق بالصادر والوارد والجمارك والضرائب ما انزل لها بها من سلطان. هذا ناهيك عن عوامل أخرى تجعل من المستحيل لمستثمر أن يجازف ويخاطر برأس ماله للاستثمار في السودان ، منها الفساد (حقي كم؟) ، منها التخبط التشريعي والاداري ، منها ضعف المؤسسات القانونية ، منها ضعف معدل الناتج القومي وارتفاع التضخم وضعف اليد العاملة وعدم توفر البنية التحتية ، المديونية المليارية للدولة التي عجزت عن سدادها ورأينا ذلك مع الشركات الصينية والهندية ، وضعف تنوع سلة صادرات الدولة ، عدم توفر النقد الأجنبي ، عدم وجود علاقات بنكية بين البنوك السودانية والأجنبية ، ضعف الاقتصاد الرقمي وضعف القدرات التكنولوجية للدولة وضعف الاتمتة. مؤسسة فوربيس Forbes أخرجت السودان تماما مصفوفة تقييم الدول من ناحية الجذب للاستثمار من 153 دولة في تصنيف عام 2017 ، في وقت دخلت فيه ليبيا وافغانستان وتشاد واثيوبيا واليمن وباقي الدول الأفريقية في القائمة ؛ وهذه كارثة كبرى حينما تكون خارج قائمة فوربس حتى ولو تذيلتها من حيث السوء. (أنظر قائمة فوربس على مؤقع المؤسسة: https://www.forbes.com/best-countries-for-business/list/#tab:overallhttps://www.forbes.com/best-countries-for-business/list/#tab:overall
هذا يعني أننا الآن انقطعنا وانعزلنا عن العالم تماما. وربما لن يتخيل رئيس الجمهورية نفسه حجم هذا الوضع الكارثي وهو يعدل ويبدل ويغير في طاقم الحكومة من رئيس وزراء ومالية ، وربما حتى رئيس الوزراء الجديد والذي تم تعيينه مديرا في نفس سنة تخرجه من الجامعة لأنه اسلاموي فقط لن يستطيع تخيل حجم ما تم وضعه على يديه من فشل مؤكد ومحتوم... انها حكاية موت معلن.
09-27-2018, 10:44 AM
علاء خيراوى علاء خيراوى
تاريخ التسجيل: 11-09-2017
مجموع المشاركات: 358
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
علاء خيراوى
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست