ماذا سوف يجني السودان من وراء إنعقاد منتدى التعاون الصيني الأفريقي المنعقد بالصين حاليا، ٩/٢٠١٨ /٣ بعد أن اغتال شخصية السودان؟!
الصين دولة ناهضة تتقدم بثبات لاحتلال المكانة الأولى في الاقتصاد الدولي.. و تمهد لذلك السبق بتهيئة أسواق لها في أفريقيا عبر استخدام القوة الناعمة ب( القروض الميسرة (Soft loans) و المنح..
و في لقاء مع الرئيس البشير، قبل يومين، قال الرئيس الصيني أنهم في الصين يتفهمون الظروف الاقتصادية المؤقتة التي يمر بها السودان و الصعوبات التي يواجهها منذ انفصال جنوب السودان.. وأنهم سوف يتعاونون معه لتجاوز تلك الظروف..
لم يقل الرئيس الصيني أن الظروف الاقتصادية التي يمر بها السودان ظروف من صنع نظام البشير نفسه.. كما لم يقل أن عين الصين لا تزال على سودان جديد يقوم فيه نظام جديد بما يكفي لانتشاله من بؤر الفساد.. و توظيف ثرواته الكامنة في باطن الأرض، و ظاهرها لنقل البلاد إلى بيئة يجدي فيها الاستثمار الجاد و التجارة الجادة و التعاون المثمر للطرفين..
كان الرئيس الصيني مجاملا للغاية... إن شخصية السودان الحالي ميتة.. إغتالها البشير و زمرته بالفساد و الإفساد المدمر لكل بلد يغشاه!!
فمنذ حوالي عقدين من الزمان سعت الصين لتجعل من السودان دولة من الدول الرائدة في مجال التعاون الصيني الأفريقي.. و نموذجا يحتذى في نجاعة التنمية المستدامة.. و أغدقت على النظام الكثير من المنح و القروض لإنشاء مشاريع، منها مشاريع بنى تحتية كمشروع المطار الجديد و بعض الجسور و ترعة غرب أم درمان و الخ، و لم تر معظم تلك البنى التحتية و غيرها النور..
كان متنفذو النظام مشغولون ب( تمكين) أنفسهم عن تمكين البلد، فضاع البلد.. و تراكمت الديون دون إنتاج حقيقي يغطي عائده تلك الديون حين آن أوان سداد أقساطها..
و بالرغم من عجز النظام عن الإيفاء بالتزاماته المالية، إلا أنه لم يكف عن طلب المزيد من القروض من الصين.. و ما كف عن رهن الأراضي لها و لغيرها بأثمان بخسة و لسنوات طويلة..
الصين تعلم أن النظام نظام سفيه لا يجيد سوى هدر الموارد.. بينما هي تبحث عن التعاون مع دول أفريقية ذات حكومات راشدة تفتح الطريق لنمو طبقة وسطى قابلة لاستهلاك ما تنتجه الصين من سلع.. و ما تقدمه من خدمات في التعليم المتقدم و الارشاد الزراعي الحديث.. و ما إلى ذلك.. ولا أمل يرتجى من سودان البشير للقيام بالدور المطلوب لتحقيق كل ذلك!
إنه نظام لا يسترشد بدراسات الجدوى الفنية و الاقتصادية لتنفيذ المشاريع الاقتصادية و غيرها، بل يسترشد برأي الرئيس و المتنفذين الآخرين..
عملت في وزارة الاستثمار في ديسمبر عام ٢٠٠٨ و تم فصلي في أبريل عام ٢٠١١ حين كتبت مقالا عن الفساد المستشري في الوزارة!
كنت أشاهد ما كان يحدث من عبث بمقدرات السودان.. و كانت احتجاجات الصينيين تترى على المعنيين السودانيين بسبب بطء أو عدم تنفيذ بعض المشاريع الممولة بمنح صينية.. و عدم الجدية في تنفيذ مشاريع أخرى ممولة بقروض صينية يسير تنفيذها ببطء سلحفائي شديد.. و كان النظام لا يأبه بالكارثة التي كانت تدق أبواب البلاد.. و في قناعته أن السودان غني ب( بتروله) لإنفاذ المشاريع لاحقا.. و لا شيئ يهم مهما كان!
و حين انفصل الجنوب عام ٢٠١١، كانت علاقة الصين بالسودان قد بلغت قمة السوء.. و يعتقد كثيرون أن انفصال الجنوب و خروج بتروله هو السبب الرئيسي في عزوف الصين عن التعامل مع السودان.. لكن الواقع هو أن الفساد في المؤسسات الحكومية المعنية بالتنمية.. هو السبب الأول، و ربما لا سبب سواه، سوى سوء إدارة الموارد.. خاصة إذا علمنا أن الصين توجهت بكل ثقلها الاقتصادي حاليا إلى إثيوبيا و كينيا و دول أفريقية أخرى جنوب الصحراء و ركزت على كينيا و إثيوبيا بالذات، و كلتاهما ليستا من الدول المنتجة للبترول..
و قد شرعت الصين في تطوير البنى التحتية و لوازم التنمية الأخرى من بناء القدرات و غير ذلك هناك.. و بدأت تلك الدول تحقق نجاحات ملموسة في عدة مواقع انتاجية و خدمية.. و ارتفع ناتجها القومي الاجمالي بمقادير غير مسبوقة.. و الملاحظ أن لرؤساء تلك الدول دور هام و مباشر، في هرولة المستثمرين، صينيين و غيرهم، إليها..
و حسب ما جاء في صحيفة اليكترنية لقناة ( سي إن إن) الأمريكية، يقول الملياردير الصيني ( هو جيوان زانق)، و هو من أوائل المستثمرين الصينيين الذين قدموا إلى إثيوبيا في عام ٢٠١١، إستجابة لدعوة الرئيس الاثيوبي ميليس زيناوي للصينيين للاستثمار في إثيوبيا، يقول أن زيناوي ألح عليه لإنشاء مصنع ملابس و أحذية ضخم.. و أنه لم يكن يفكر في الاستثمار في إثيوبيا.. أو كما قال: “to be honest, I did not think of investing here,” says Zhang
لم يكن ليأتي زانق هذا و معه مستثمرون صينيون آخرون لولا الحوكمة الراشدة لميليس زيناوي.. و هي نفس الحوكمة التي جعلت حتى المستثمرين السودانيين يهرولون للاستثمار في إثيوبيا تاركين بلادهم.. و نظام البشير يهدر مواردها و متنفذو النظام في ذروة شبق الثراء السريع..
و أثار اندفاع الصين نحو أفريقيا حسد الدول الغربية ما جعلها تشيع أن الصين تغزو أفريقيا بالقوة الناعمة! و قد ادعى ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأمريكية السابق أن المستثمرين الصينيين لا يخلقون وظائف ذات أهمية للسكان المحليين.. كما سبق و حذرت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأسبق، الدول الأفريقية من الاستعمار الصيني الجديد و من العمالة الصينية المستوردة إلى أفريقيا.. و جاء رد السيد/ أركيبي أوكوبي، كبير المسئولين في الحكومة الاثيوبية و مهندس معظم الاستراتيجيات الاثيوبية، أن الصين قوة اقتصادية ناهضة و أنها سوف تكون القوة الاقتصادية الأولى في العالم بحلول عام٢٠٣٠، و أن القوى التي تضمحل، ( يقصد الدول الغربية) تحسد القوى الناهضة و أن الأفارقة وحدهم من يقرر فيما إذا كانوا سوف يستفيدون من علاقاتهم الاقتصادية مع الصين، دون الحاجة إلى من يفسر لهم ما يحدث بين الصين و أفريقيا..
نعم! إن مسألة التعاون الصيني الأفريقي، ترتبط برؤية الدول الأفريقية لجدوى ذلك التعاون.. و رؤية تلك الدول ترتبط بنوع الحكم فيها.. و وعي رؤسائها باحتياجات البلد للقروض التنموية.. و متى يتم الاقتراض من الصين لسد تلك الاحتياجات، و تحت أي شروط يقترضون.. مع الابتعاد عن رهن الأراضي، فهي ليست ملك الأجيال الحالية فقط بل تشاركها الأجيال القادمة في الملكية..
إن بعض الرؤساء الأفارقة يتميزون بالحوكمة الراشدة التي يفتقر إليها البشير.. و في يقيني أن الرئيس الصيني سوف ينظر إلى البشير و بطانته، أثناء جلسات المنتدى، نظرته إلى مجموعة فاسدة لا يمكن وضعها مع الآخرين على خط ( الطريق و الحزام) المزمع إنشاؤه لربط أفريقيا بالصين!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة