أرسل لي صديق مقطع فديو صغير لحلقة مع مفكر اسلامي ؛ او هكذا تم تدبيج اسمه بهذا الوصف ، بغض النظر عن ضعف ما قدمه هذا المفكر وهو ينقلب على حزبه فيتحول إلى مفكر في الزوغان والهروب ، فإنني تساءلت عن معنى مفكر إسلامي ، ما المقصود بمفكر اسلامي ، حقيقة منذ بداية الاسلام والى ما قبل منتصف القرن العشرين لم يكن هذا الوصف المطاط معروفا ، فشرعا يمكن لمن يفتي في مسائل الدين ان يسمى فقيها وإن افتى في الحديث صار محدثا وان افتى في القرآن صار عالما وإن افتى بعلم الكلام صار متكلما ، فلكل علم من علوم الاسلام متخصصيه ؛ ويمكن جمعهم -وذاك كان الغالب- في كلمة شيخ. فالشيخ وصف للسن تحول الى وصف لعالم الدين باعتباره قد بلغ حكمة الأمر ، أما مفكر فهذه كلمة لم أستطع استساغتها. ويبدو من خلال ما يتم طرحه من مسائل ومناقشات أن كلمة مفكر لها في الواقع غايات منها على سبيل المثال: - القطيعة مع التراث. - عدم تحمل مسؤولية الرأي. - عدم تسمية الرأى بالفتوى. - ليبرالية مناقشة المسائل الدينية بدون الاستعانة بمناهجها الاصولية التقليدية. - تجاوز معضلة التخصص. -كسر المأسسة أو الحوذة الدينية. ولا أنكر على من يرى ذلك هذا ، فمن حق كل امرئ أن يفعل ما يريد ، وأن يطرح ما يعن له من فكر . إلا أن الإشكالية الأساسية في الأمر هي من يضبط لنا هذه الألقاب؟ في قنوات فضائية عربية متشاكسة ؛ رأيت إحدى القنوات تقدم شخصا باعتباره سفيرا في منظمة خيرية. وأخذت المذيعة تخاطبه بوصفه سفيرا ؛ والطامة الكبرى أن القناة كتبت اسمه على أسفل حافة الشاشة مقرونا بصفة (السفير: فلان). طبعا توزيع الأوصاف الوظيفية لكل مؤسسة مسألة من خالص حرية هذه المؤسسة ؛ فلا مانع مثلا أن تطلق شركة على مندوبي المبيعات وصف سفير الشركة في المنطقة الفلانية ، لا بأس ، ولا بأس أن يصر مندوب المبيعات بمخاطبته بصفة سفير ، ولكن لا يصلح هذا في قناة فضائية. لقد صارت الألقاب الفضفاضة توزع على كل شخص يتم استضافته في القنوات الفضائية ؛ مفكر ، مثقف ، باحث ، أكاديمي ، سفير ، ولا بأس من اضافة رئيس او ملك او أي شيء آخر في المستقبل. تبدو هذه الصفات كمهنة لمن لا مهنة له ؛ وهي تعكس اشكالية أو حتى أزمة عميقة جدا ناتجة عن الاحتكار المعرفي الذي ولدته المؤسسات التعليمية ، فمثلا كثير من أساتذة القانون لم يحملوا أي صفة ، بعد العلماء كنعوم تشومسكي مثلا لم يكمل دراسته الجامعية ، والكثير ممن لديهم أفكار حرة تفكر خارج صلادة وعتو الضوابط البحثية methodology ؛ رغم ذلك فقد انتج هؤلاء نظريات صار لها نفوذ في المجتمع العلمي ، ومع ذلك فهذا لا يعني أن منهج البحث العلمي ضرره أكبر من نفعه ؛ فالأمر ليس كذلك ، فمنهج البحث هو تنظيم متناسق systematic للفكر ؛ يبتدئ من مقدمات ذات موثوقية علمية ليؤسس عليها تحليلا يفضي لنتائج مبرهن عليها وان لم تكن حاسمة ؛ ففي أغلب البحوث يتم استخدام كلمة برهان proof وليس دليل evidence عملا بمبدأ نسبية الحقيقة العلمية. وهذا ما اتجه اليه معيار كارل بوبر الشهير والذي عبره يتم التمييز بين العلم الحقيقي والعلم الزائف ؛ فالأول يكون قابلا للدحض والثاني لا يقبل الدحض. إذا فلمنهج البحث أهميته ؛ لكن أيضا لا يعتبر الخروج عليه مفضلا على الالتزام به ؛ إن لم يتأسس هذا الخروج على عبقرية فذة ، فليس كل الخروج ابتكار وليس كل عصف ذهني تفكير خارج الصندوق. وهكذا فليس كل من يفكر مفكر ولا كل متفلسف فيلسوف. وهذا ما يعود بنا الى النقطة الأولى التي انطلقنا منها ؛ وهي ما هي معيار وصف شخص بالمفكر الاسلامي ، او المفكر السياسي ، او أي مفكر آخر. فلنلاحظ مثلا أن كلمة مفكر مصدرها فكر ؛ والتفكير يقوم به الكافة ؛ فربة المنزل حينما تستيقظ صباحا وتتساءل: ماذا سأطبخ اليوم للعيال؟ فإنها تفكر ؛ وهكذا نستطيع أن نطلق عليها وصف مفكرة ؛ والزبال قبل أن يشرع في عمله لابد أن يضع خطة لتحقيق أمثل نتيجة وهو بالتالي يفكر فهو إذن مفكر. ذات الأزمة سنجدها في مصطلح مثقف ؛ فمن هو المثقف؟ وما هي المتلازمات الموضوعية التي تجعل انصباب المعرفة عليها سبيلا الى منح درجة المثقفة . إذا كانت الثقافة معرفة شيء من كل شيء ، فمعرفة سمسار العقارات بالبيوت والشوارع تعتبر ثقافة ، وهي ثقافة هامة جدا. ومعرفة ربة المنزل بالطبخ قد تكون أكثر أهمية من مباحثات ترامب مع كيم حول السلاح النووي ؛ لأن الانسان يستطيع أن ينتظر نهاية مسرحية التسلح النووي لسنوات او عقود ولكنه لن يعيش بدون طبيخ ربة المنزل. فمن هو المثقف؟ هذه قضية جمعت لها كما معتبرا من المراجع العلمية لأتناولها بشكل أكثر عمقا إذا توفر لي المناخ المناسب لذلك. أوصاف كمفكر ، أكاديمي ، مثقف ، ...الخ ... تحتاج منا الى وقفة جادة لنثيرها أمام إدارات القنوات الفضائية حتى لا نفقد كمشاهدين الثقة في مصداقيتها. وحتى لا تتحول قنوات فضائية بدأت كقنوات محترمة الى قنوات متهافتة تفتقر للمهنية.
هذه الأيام الألقاب صارت توزع بالمجان المشكلة ليست فى اللقب المشكلة فى ضياع المهن و الحرف بسبب الألقاب فسابقا كان اللقب يوافق طبيعة المهنة المدرس مدرس و يمارس مهنة التدريس ويلقب بالأستاذ و الطبيب طبيب أو دكتور ويمارس مهنة الطب و المحامى يمارس مهنة المحاماة و النجار نجار و الحداد حداد وهكذا الآن حامل البكالوريوس يسمى أخصائى و لقب أستاذ تم إستهلاكه تماما و لقب دكتور و بروف الآن فى الطريق كثرت الألقاب و قل العطاء و الإحتراف و تشابكت التخصصات و أعتقد أن المجاملة و طغيان الفكر المادى الرأسمالى يشجع على مثل السلوك .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست