مما أقلقني على حال ما آلت إليه التباينات الطبقية في السودان ، ما أراه بأم عيني كل خميس ( ويك إيند ) في الشوارع القريبة من الأحياء المخملية التي يقطنها الأثرياء الذين يعيشون ( خارج نطاق تغطية شبكة الفقر السودانية الشاملة ) .. شباب أو صبيان و صبايا .. ( يفحطون ) في شارع الستين على فارهات لم يعرقوا جهداً ليمتلكونها ، و بعضهم يملأ الشارع صخباً بأبواق السيارات فرحاً بإنتصار برشلونة على مدريد ، و آخرون في شارع النيل يستعرضون فارهاتهم التي يعجز لساني عن ذكر سعر شرائها ، ثم بعد ذلك إزدحام منقطع النظير في محلات الملابس ( الماركة ) و الإكسسوارات بشوارع مدينة الرياض الراقية ، حيث و بلا عجب و لا إستغراب يعرضون في الواجهات القميص الرجالي و قد سُجل عليه السعر سبعمائة جنية ، يعني بالقديم مليون إلا ثلاثمائة ، و الغريب حركة الشراء و البيع لا تنقطع ، ثم نفس تلك العينة من الشباب و الصبايا أصحاب التسريحات الغريبة في شكلها و مضمون ما يُراد إيصاله من رسائل للمجتمع من إختيارها ، و لابسات البناطلين التي ما زلت محتاراً و متسائلاً هل تلبس كسائر الملابس أو تفصل تفصيلاً في الجسد من ضيقها ، يتزاحمون على محلات البيتزا و سندوتشات الهوت الدوق التي نحمد لحكومة الإنقاذ أن ( تكرمت و جعلت هذه الشريحة تتعرف عليها ) .. وجبات أجنبية المنشأ في حين أن دلالاتها تشير إلى التطور و النماء و رغد العيش ، عكس ما تشير إليه إتجاهات أخرى في تبني الأفكار الغربية من إتهامات تتعلق بالتنصل من الفطرة السودانية و الإنتماء الوطني ، هذان الشعاران هما اللذان إنطلق منهما هتاف ( نأكل مما نزرع و نلبس مما نصنع ) .. أما الأكل فكل الغلابة البائسين في أرجاء السودان يعرفون ما صار في أمره ، و أما الملبس فأحيلكم في ذلك إلى ملفات حكاية ما جرى لمشروع الجزيرة المنتج الأول للقطن في العالم ، و توابعة الأخرى كمحالج مارنجان و السكة حديد و مصنع نسيج الصداقة بالحصاحيصا ، و شركة الأقطان ، أعود فأقول أن أولئك الشباب و الصبايا الناعمين الناعسين يشترون طبق البيتزا بثمانين جنيها بدون توابعة من سلطات و مشروبات ، وفي تلك المطاعم الخمسة نجوم و لو أنها على الشارع يباع السندوتش الواحد بخمسون جنيهاً ، لذا أستغرب أن سألني رفيقي العائد من سنين بعد الغربة ( برضو تقولوا الناس تعبانة ) .. لم أجبه و صمت و لكن أضمرت في صدري أن آخذه غداً في زيارة إلى سوق سِته ليرى بأم عينيه كيف يأكل الناس ( الدواجن النافقة ) و هم يعلمون ، و ليرى أطفالاً لم يبلغوا الحُلم يرتبط أكل عيش أسرهم بدرداقة تجبي منها المحلية عشرة جنيهات في اليوم ليستند عليها ظهر الدولة المعوج ، بإعوجاج قيمة العدل الإجتماعي فيها ، يجب أن يعلم أولي الأمر أننا لا نعترض على أرزاق الله في خلقه ، لكن مبدأ خلق التوازن المنطقي بين الطبقات إنما هو سياسات تقوم بها السلطة أو الدولة لصالح تيسير الحد الأدني من الحياة الكريمة لأكثر الشرائح فقراً و حاجة ، هذا لن يتأتى إلا إذا عادت الدولة لتحقيق شعار مجانية التعليم على الواقع و الحقيقة ، و عادت إلى دعم المستهلكات الضرورية ، و أعادت الدعم بأيي نسبة منطقية للحصول على العلاج و الدواء ، ما يحدث الآن من تباين طبقي صارخ و فاجر هو في حقيقة الأمر قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار .. فلتسمعوا و لتعوا .. اللهم هل بلَّغت.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة