قبل فترة وأثناء أزمة النقود ذهبت لإحدى شركات الاتصال لتسديد فاتورة..ابتسمت الموظفة الأنيقة حينما أخرجت بطاقة الصراف الآلي باعتبارها صالحة للتداول..كانت المفاجأة أن الشركة المعنية لا تملك ماكينات التداول الألكتروني ..قبل أيام مررت بمكتب مبيعات الكهرباء ووجدت ذات الإجابة ..بل حتى الشيكات المعتمدة لا تقبل إلا بقيود صارمة في مراكز بيع الكهرباء ..هذه المؤسسات لا تقبل إلا( الكاش)..وغيرها كثير من المكاتب الحكومية تحب النقد حبًا جمًا.
أعلنت الحكومة مؤخرًا أن شهر نوفمبر سيكون الأخير في قبول الدفعيات النقدية..بعد ذلك التاريخ المضروب ستبدأ المعاملات الألكترونية ..لا أدري لماذا نوفمبر وليس ديسمبر الذي يعتبر الشهر الأخير في الموازنة ..لكن هل ستنجح الحكومة في مسعاها أم ستصنع فشلًا كارثيًا جديدًا..بشق الأنفس تخلصت الحكومة من إيصال (١٥) الورقي..لكن الضربة القاضية لتداول النقود تحتاج جهودًا أكبر من ذلك ..وإلا اعتبرت قصة فشل جديدة كالتي واكبت تقييد حركة السيولة فانتهى الأمر بخسارة الثقة في الجهاز المصرفي.
قبل الاسترسال في حكاية الدفع الألكتروني يكون السؤال مشروعًا لماذا تأخرنا في هذا الأمر..دول كثيرة لا تملك مقومات السودان في مجال الاتصالات خطت خطوات كبيرة ..يبدو أن الحكومة الإلكترونية خاصة في مجال الدفعيات النقدية تواجه نيرانًا صديقة..بمعنى أن هنالك مؤسسات نافذة تفضل التوسع في التعاملات النقدية..مثلًا شركات الاتصال لديها مصالح مباشرة باعتبار أن عمليات تحويل الرصيد النقدي باتت إحدى مواردها المالية..بل أن هذه الشركات ولجت إلى المجال المصرفي دون علم بنك السودان.
كما أن هنالك مؤسسات تُمارس التجنيب على عينك يا تاجر..الدفع الألكتروني يجعل كل أموالها مكشوفة عند وزارة المالية والضرائب ..مثلًا كل شيء يتم في مجمعات الشرطة بشكل ألكتروني ..لكن حين الدفع يتم السؤال عن الكاش الذي يقلل النقاش..الكهرباء من المؤسسات التي تحبذ النقد ..لهذا حينما تحاول الحكومة المضي قدمًا في الحكومة الألكترونية عليها ان تبدأ من البيت الداخلي والبيوت المجاورة..على أقل تقدير يصبح الدفع بواسطة الماكينة التي تقبل البطاقة الممغنطة واحدًا من الخيارات..ومن المثير للحرج أن بعض المراكز التجارية توسعت طوعًا في البيع الألكتروني والذي لا يحمل أي مخاطر بل يكتنز بالفوائد بين البائع والمشتري.
في تقديري أن الاتجاه للحكومة الإلكترونية خطوة موفقة بل ربما تأخرت كثيرًا..لكن نجاحها رهين بالقيام بتمارين رماية..تبدأ المسألة بالعمل الجاد لاستعادة الثقة في البنوك ..إن لم نقنع المواطن العادي أن المصارف تمثل المكان الآمن لأمواله ستفشل عمليات الدفع الإلكتروني..بمعنى أن المواطن سيحول عملية الدفع للبنوك..يضع فقط المبلغ المطلوب في البنك لإتمام الإجراء المطلوب..كما أن هنالك خطوات مهمة في تثقيف المواطن بأهمية المشروع.
بصراحة..أفكار صغيرة يمكن أن تكون رافعة نجاح وأخرى يكمن أن تحقق الفشل ..بإمكان الحكومة أن تمنح تخفيضات في كل المعاملات الإلكترونية..عندها سينتبه المواطن وتربح الحكومة..لكن من المهم أن تنتبه الحكومة للنيران الصديقة من داخل الصندوق.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة