|  | 
  |  صندوق الذخيرة أم صندوق الاقتراع بقلم اسماعيل عبد الله |  | 06:52 PM May, 24 2018
 سودانيز اون لايناسماعيل عبد الله-
 مكتبتى
 رابط مختصر
 في هذه الايام التي تشهد اشد مراحل منظومة حكم الانقاذ ضعفاً , يتبارى بعض الثوار نحو التخلي عن الامساك بالزناد , و الهرولة للاندماج مع نظام الحكم الاخواني لخوض صراع  صناديق الاقتراع في انتخابات 2020 , حاثون رفاقهم الصامدين في الخنادق و الصابرين والقابضين على جمر قضيتهم , على ترك صندوق الذخيرة و اللجوء الى صندوق انتخابات عشرين عشرين , في ظل استمرار امساك الانقاذ القوي والقابض على مفاصل السلطة , والتي بطبيعة الحال من بينها السلطات المعنية بكل من السجل الانتخابي والرقم الوطني ومفوضيات هذه الانتخابات , بل وحتى لجان مراقبة هذه الصناديق , فهؤلاء المهرولون كانوا الى وقت قريب يحملون على اكتفاهم  الصناديق الذاخرة بالبارود والمرعبة للطاغوت ,  يقاتلون هذه المنظومة المتجبرة قتالاً باسلاً بفوهة البندقية و بالكلمة الصادعة بالحق معاً , انّها ذات المنظومة التي  تحداهم  كبيرها و زعيمها على رؤوس الاشهاد , وقالها لهم واضحة وبيّنة , من اراد التغيير فعليه ان يحمل البندقية و يواجه الرصاص , ومنذ ذلك اليوم تفجرت الارض السودانية تحت سكانها لهيباً حارقاً , فاشتعلت دارفور و كردفان و النيل الازرق , وقدم  مواطنو تلك الديار ارواحهم وما يملكون  فداءً لقضيتهم العادلة , التي شهدت بعدالتها شعوب العالم الحر قاطبة , ومعظم الدول والمنظمات الانسانية و العدلية , وظلت الانقاذ ورأس رمحها المتعجرف تستخف و تسفه هذه القضية , و تحاول الحط من قدر اولئك المناضلين الصادقين الذين  يحملون مشعلها , فالفكر الاخواني الذي يعشعش في رؤوس قادة الانقاذ , لا يؤمن بالتنوع و لا بالتعدد الذي هو سنة الله في خلقه و مخلوقاته , وينزعج من هذه السنن الكونية التي اقرتها و اعترفت بها جميع دساتير وقوانين الارض , وكل تشريعات السماء و اطروحات السياسة , وقد اتضح هذا الانزعاج جلياً عندما غادرنا ثلث الوطن الحبيب و رحل عنا جنوباً , فجائنا حادي ركب سفينة الانقاذ يبشرنا بالخلاص مما اسماها بــ (الدغمسة) بعد انفصال السودان الجنوبي , فجميع هذه الملاحظات تؤكد لنا ان المنظومة الاسلامية الاخوانية الحاكمة في السودان , لن تتخلى عن الغطرسة والاستخفاف و احتقار الانسان السوداني , ويبدو ذلك واضحاً من خلال مقال رائد صحافة الانقاذ الاخوانية المهندس الطيب مصطفى , عندما وصف دعوة ياسر عرمان لرفقاء الكفاح المسلح لوضع سلاحهم ارضاً , و اعتماد النهج السلمي في مشروع مناطحتهم للانقاذ , بالاستسلام , فبصرف النظر عن دوافع عرمان التي لا شك انها مشوبة بالغرض , كان يجب على بوق الانقاذ الصائح الانتباهي ان يرحب بالفكرة , تماشياً مع ما تتطلبه المرونة في عالم السياسة , لكنها الكراهية المؤصلة والمؤدلجة و المتجذرة في عقول هؤلاء الاخوانيين , فكراهيتهم لهذا الآخر المختلف عنهم فكراً وايدلوجيةً , هي بمثابة العقيدة التي يعتنقونها ويتشربونها في صباهم الباكر , ومنذ اول يوم  يتم فيه تجنيد الفرد منهم وضمه الى كيانهم المعزول سودانياً.
 والذي يدهش الانسان حد الصدمة هو سعي بعض الساسة المعارضين للانقاذ , للنزول معها الى ميدان الديمقراطية و الانتخابات الحرة و النزيهة المزعومة , وهم على يقين ان هذه النظومة لم تعر أسس و مباديء الديمقراطية بالاً ولا اهتماماً , منذ ان اجهزت على هذه المباديء في ذلك العام المشؤوم من ثمانينيات القرن الذي سلف , فهذا السلوك الشاذ الذي بدر من هؤلاء المعارضين يحق لنا ان نطلق عليه مسمى الهبل السياسي , الذي ادخل البلاد في الدائرة الخبيثة و المستمرة , ودائماً تكون هذه الدائرة متمثلة في شكل حكم عسكري طويل الامد , ثم حكومة ديموقراطية قصيرة الاجل يعقبها انقلاب عسكري , وهكذا نحن منذ اكثر من ستين عاماً نمارس هذا الطواف الممل حول مركز هذه الدائرة اللعينة , التي ما فتئت تعمل على استنساخ الازمة واعادة تدويرها مرات ومرات , فماذا  دهى هؤلاء الصائمون دهراً حتى يفطروا على بصلة ؟ , ان الثمن الذي دفعته الحاضنة الاجتماعية و الشعبية للذين حملوا السلاح كان وما يزال باهظاً جداً , دماء ودموع و ديار , قدمت كقرابين في سبيل الوصول الى تحقيق الانعتاق و التحرر الكامل من قبضة الظلم و القهر و الجبروت  , ان هذا الثمن لن تستطيع ان تسترده الشراكة السياسية مع الانقاذ , التي تعاني الاحتضار وتشكوا رهق التفاف الساق بالساق وهي في آخر لياليها وايامها , ان طموح هذه المجتمعات التي  ضحت باغلى وانفس ما تملك من اجل الثورة , دعماً وسنداً  للثوار الذين حملوا صناديق الذخائر على ظهورهم العارية , وساروا بها عشرات الاميال على اقدامهم الحافية , اكبر بكثير من قلة الحيلة و قصر النظر الذي يمتاز به هؤلاء المهرولون , و الراكضون لهثاً للارتماء في حضن الطاغية  , ان ثمار الحراك الثوري المقدس لم تنضج بعد , هذا الحراك الذي هتفت باسمه جماهير الشعب السوداني , حتى يتهافت بعض ضعاف النفوس من رموز هذه الفعاليات الثورية  الى فتات مائدة الظالم المتجبر , اذ ما زال هذا الغرس الثوري بحاجة الى السقيا و الرعاية لكي يكتمل نموه ويتم نضجه , وبحسب معطيات الراهن السياسي فان الأوان قد آن لليتامى و الثكالى و المحرومين والمقهورين لكي يقطفوا ثمار تضحياتهم , ثم من بعدها  يظفر هذا الانسان السوداني المسلوب الارادة بحريته , ويحفل بنصره المؤزر , فيحتفي بطي آخر صفحة من صفحات المماحكات والاستهبال السياسي في الدولة السودانية.
 ان خيار حمل السلاح من قبل الثوار لم يأتي ترفاً ولا اعتباطاً  , وانما فرضته سياسة النظام الانقاذي الاقصائي و الاحادي التوجه , تجاه ابناء الوطن الطامحين الى ممارسة حقهم الدستوري والمشاركة في ادارة دفة دولاب بلادهم , ومن اكثر الدوافع التي شجعت بعض الفتية في الوطن الحبيب الى امتشاق السلاح , هي التحديات الجوفاء لرأس المنظومة الانقاذية لابناء وطنه , في المناسبات الرسمية والحشود الجماهيرية التي تنظمها حكومته , والتي ظل يرشقهم فيها بعبارات ومفردات موغلة في الاستفزاز و اثارة الكراهية و النعرات العرقية , مع انعدام مصداقيته في تبني وتنفيذ البرامج الاصلاحية  والوطنية  , التي ظل يطرحها ذوو النوايا الحسنة منذ ما يقرب الثلاثين سنة , عبر العديد من المؤتمرات و اللقاءات التي شهدتها قاعة الصداقة , والتي  كان اخرها مؤتمر الحوار الوطني , الذي يمثل آخر المشاريع الوفاقية و الاصلاحية التي عرّت  المنظومة الانقاذية وكشفت عن سوء طويتها , واثبتت استحالة تقبل هذه المنظومة الشمولية و الثيوقراطية للشراكة السياسية الحقيقية , التي يمكن ان تفضي الى عملية انتقال سلس  بالبلاد  من وضعية التمترس و الاحتقان الوطني الحاد هذه , الى رحاب الانفتاح و الانفراج السياسي و الاقتصادي المأمول , الذي بدوره يمكنه ان يؤسس للخروج من العنق الضيق لهذه الزجاجة التي تأبى ان تتكسر.
 ان صندوق الذخيرة ما زالت ضرورته ملحة و مطلوبة , في هذا الوقت الذي تنحدر فيه دويلة الانقاذ الى هوة الهلاك السحيقة , فحمل السلاح ليس كله شرٌ , اذا كان من يحمله هم هؤلاء الجنود المنضبطون الذين نعرفهم , و الذين يتحلون بوعي كامل بمآلآت الصراع السياسي و الاجتماعي في السودان , فهؤلاء الجنود هم من سوف يحفظ البلاد والعباد , من سلبيات واضرار حالة (اللادولة) المتوقع حدوثها في المستقبل القريب , و كما يدرك ويفهم كل لبيب وحصيف فان الانقاذ ساعية سعياً حثيثاً , لايصال الناس الى  هذه الحالة من الفوضى مع سبق التخطيط  و التنسيق والاصرار , ولكن سوف يخيب فألها السيء , لان هنالك  أشاوس من شباب هذه البلاد , سيكونون حاضرين بجهوزية عالية في تلك اللحظات الحاسمة والخاتمة لصفحات سجلات هذه الدويلة الانقاذية والاخوانية الفاشلة .
 إنّ الاوضاع الاقتصادية والسياسية و الامنية و العسكرية في السودان لم تعد مواتية , لاجراء اي نوع من الانتخابات الرئاسية او البرلمانية عبر صناديق الاقتراع في العام 2020 , لان هذه المنظومة الانقاذية وبكل بداهة فاقدة للشرعية وغير جديرة بالحديث عن اي عملية ديمقراطية في السودان حاضراً او مستقبلاً ,  وعلى اقل تقدير يجب اقتلاع هذه المنظومة اولاً , ثم ان الضرورة تستوجب ان يعقد مؤتمراً دستورياً شاملاً و حاسماً لقضية الهوية , ومجيباً لاسئلة و استفاهمات كيفية حكم السودان , ومؤسساً لنواة عدلية وقضائية  تنجز مؤسساتها اجراءات التحقيقات والتحريات المهنية و المحايدة , التي تقود الى محاكمة الضالعين في ارتكاب جرائم الحرب و الابادة الجماعية , و المتغولين على المال العام والمختلسين له , وبالضرورة ان يتم كل هذا الترتيب في ظل حكومة تكنوقراط  انتقالية لا تقل مدتها  عن  ست سنوات , فهذه الحكومة الانتقالية المرتقبة ستكون من اكثر الحكومات تحملاً للاعباء الوطنية منذ العام الف و تسعمائة و ستة و خمسون , لانها ستواجه تحديات كبيرة وعظيمة متمثلة في التركة الثقيلة التي ستخلفها الانقاذ بعد موتها ,  كالانهيار الاقتصادي الشامل والماثل امام اعيننا الآن  , و ما يصحبه من خواء وفراغ خزينة النقد المركزية من المال , فمرحلة ما بعد البشير ليست كما يحلم الحالمون , من ان السماء ستمطر ذهباً بمجرد انقشاع سحابة الانقاذ الكئيبة , بل ان الحقيقة المُرة هي ان الشعب وحكومته الجديدة المرتقبة سيواجهون بامتحان عسير , ذلك لان الخلاص من كابوس الاخوان المسلمين ستعقبه مرحلة الابتداء من الصفر في كل مناحي الحياة , وفي جميع مؤسسات الدولة , لان هؤلاء الاخوانيون قد هشموا حتى الهيكل العظمي الذي كانت ترتكز عليه مؤسسات الدولة السودانية.
 
 اسماعيل عبد الله
 [email protected]
 
 
 | 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 |  
  |     |  |  |  |