أعرف والدها الأصيل في سودانيته ، وكذا في سكونهِ الصامت وحديثهُ الصادق وملاقاته لمعارفه وأصدقائه بوُدٍ جامح ، وهو في ذات الوقت تبدو في ملامح وجهه غابةُ حزنٍ مدفون وجُرحٌ على ما يبدو لم ولن تداويه شفاعة الفرح الموسمي الذي تمِنُ به الأيام ، وأحمد سعد شنان أيضاً ناشط ثقافي يكاد لا يغيب عن المنابر الإبداعية والإعلامية المعروفة مما يُدلٍّل على أن الفعل الإبداعي قد يولدُ أيضاً عبر الجينات والتوارث ، لهذا السبب ربما وُلدت نتاشا أحد قسم الله شنان وبين دواخلها بؤرةٌ خصبة من الإبداع الجارف والرغبة في إجتياح عالم الفن والثقافة في الدنمارك ، وُلدت نتاشا وِفق ما سجَّلته عنها الأسافير والروايات الموثَّقة في كثير من المواقع الإلكترونية الإقليمية والعالمية في كوبنهاجن عام 1975 ، من أبيها السوداني إبن الجزيرة الخضراء وبالتحديد ودمدني أرض الفن والإبداع ، أما والدتها فهي المصوِّرة الدنماركية الشهيرة كريستينا ، إذن حق لنتاشا أن تدخل عالم النجومية وهي في سن الثالثة عشر في الدنمارك عبر إبداعاتها البرَّاقة في أداء أغاني الرقي التي كانت آنذاك تمثِّل مُجمل مساحات الإهتمامات الشبابية في أوروبا ودول إسكندنافيا ، إستطاعت نتاشا وفي زمن وجيز أن ترتقي سلم النجومية رغم زخم الساحة الفنية في أوروبا و إكتظاظها بالكثير من الفِرق الفنية والنجوم والإمكانيات الإعلامية مُعتمدةً في ذلك على موهبتها الثرة وإيمانها العميق برسالتها الإبداعية ، وساعدها في ذلك الإختلاف والتفُرد الذي تميَّزت به ولفت أنظار الجماهير إليها ما حباها به الله من إزدواجية عرقية ، إستطاعت بثبات وحِنكة أن تستفيد منها دعماً لمشروعها الفني والإبداعي ، فنتاشا كانت دائماً تفخر بإنتمائها للسودان ولطالما هتفت في حفلاتها (أهلي السودانيين هل تسمعونني) ، وكانت تقول أيضاً (لست بيضاء بما يكفي لأكون دينماركية ولست سوداء بما يكفي لأكون سودانية) ، لكنها كانت في كلا الأحوال تحمل بين طيات قلبها المُفعم بالوُد وإحترام الآخرين والذات ما يدفعها لعشق إزدواجيتها العرقية وشحذ إوارها لتُجمِّل بها ما تنتجه من فن وإبداع ، نتاشا كانت أيضاً فارسة محترفة وفازت في مسابقات كبرى لركوب الخيل من بينها منافسات سودانية ، وأيضاً من إنجازاتها الفنية الخلَّاقة فوزها بجائزة الريقي آير أي أف أم في جامايكا عن أغنيتها (45 سؤالاً) وكانت بذلك أول فنانة من أصل غير جامايكي تفوز بهذه الجائزة العالمية المهمة ، أخيراً لكم سادتي أن تعلموا أن نتاشا السودانية قد توفيت إثر حادث مروري في جامايكا في 24 /6/ 2007 م ، و هي في ريعان شبابها وبين جوانحها حبها الأسطوري للسودان وأهله وبيئته التي شعرت فيها بروح الإنتماء والفخر رغم بعدها عنه وإنتماءها الأوروبي ، ما دفعني للكتابة عن نتاشا هو إحساسٌ عميق بأن هذه الفتاة كانت حياتها القصيرة أسطورة تميَّزت خصائصها بصدق النوايا وإتساع الأفق الإبداعي والتصالح مع الذات رغم التعقيدات الثقافية التي عادةً ما يعانيها الأبناء المولودين من أبوين بجنسيتين مختلفتين ، أنا على يقين أن نتاشا لو قُدِّر لها العيش في هذه الفانية ، كانت بلا شك ستملأ سماوات هذا الوطن حباً وفخراً وإبداعاً كما ملأت سماوات وقلوب الدنماركيين .. رحم الله نتاشا أحمد سعد وألزم والديها وجمهورها ومُحبيها الصبر الجميل.
04-05-2018, 08:00 AM
Hassan Farah
Hassan Farah
تاريخ التسجيل: 08-29-2016
مجموع المشاركات: 9168
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة