استغربت من الوصف الدقيق لحال اقتصادنا.. أحد أصدقائي من تخصص بعيد وصف معالجات الحكومة مثل الطبيب الذي يمنع مريض يشكو من حبس البول من شرب الماء.. العلاج الغبي سيشفي المريض مؤقتاً ولكن يقتله بعد أيام.. كل التدخلات الحكومية حتى الآن تنصب في باب التدخلات الإدارية والأمنية.. لا حلول خارج إطار الصندوق التقليدي.
تحدث وزير المالية الفريق الركابي لجمع من الصحفيين أن حكومته تتوقع انخفاض الدولار إلى حدود ١٨ جنيهاً.. الوزير رد أزمة ارتفاع الأسعار إلى احتكار القلة الذي يمارسه بعض التجار.. التصدي للظاهرة حسب وجهة نظر الوزير تقتضي تدخل الحكومة في التجارة كمنافس لهزيمة حزب التجار.. من هنا تبدو معالم الأزمة في التشخيص الخاطيء لعلل الاقتصاد السوداني.
قبل أن نلج إلى تفاصيل الموقف الاقتصادي علينا الاستهداء بتجربة مصر.. حينما ترنح الجنيه المصري وبات يماثل جنيهنا في الهوان بين العملات .. اتخذت الحكومة المصرية خطوات جريئة في تحرير سعر الجنيه.. بعدها تدفقت ودائع العاملين من خارج مصر.. بات الاقتصاد المصري جاذباً للاستثمارات الأجنبية.. كان بإمكان مصر أن تعود لاقتصاد ( فراخ الجمعية).. في نهاية المطاف استقرت الأسعار وتعافى الجنيه المصري.
حتى هذه اللحظة تحاول الحكومة إنقاذ الاقتصاد عبر حزمة تدابير أمنية وإدارية.. الضغط على الاستيراد بوضع قيود إدارية.. سجن الدولار عبر التلويح بعقوبات رادعة للمتعاملين في هذا المجال.. كل تلك الخطوات دون العمل على زيادة الصادرات أو جذب استثمارات أجنبية.. حصد النتيجة سيكون في شهر أبريل.. عندها ستظهر آثارها القاسية عبر ندرة في كل السلع خاصة ذات الوصف الكمالي.
في تقديري مطلوب من الحكومة أن تعيد النظر في رؤيتها لمعالجة الاقتصاد.. نحن بحاجة ماسة لخلق بيئة اقتصادية تتمتع بثقة وشفافية.. بيئة يطمئن لها قطاع الأعمال وفي ذات الوقت تكون جاذبة للاستثمارات الأجنبية ومحفزة للإنتاج.. المشكلات الاقتصادية تحتاج إلى حلول اقتصادية.
بصراحة.. بإمكان الدولار أن يهبط إلى حيث يريد الوزير.. لكن الثمن سيكون فادحاً.. نحن اخترنا إريتريا نموذجاً فيما كان بالامكان أن نرنو إلى نماذج دبي وسنغافورة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة