كان السيد تيمور مخرج مسلسل حريم السلطان يحدثنا الشهر الماضي عن عمل درامي جديد تكلفته نحو خمسين مليون دولار.. حينما تحسسنا رؤوسنا كانت المفاجأة الكبرى أن دولة تركيا تنفق نحو ثمانية مليارات دولار على مصطلح الدبلوماسية الناعمة.. المصطلح الجديد يعتمد بشكل كبير على الإعلام والفن.. عبر تلك الآليات تمكنت تركيا من استعادة نفوذها التاريخي في منطقة آسيا الوسطى.. نحو ثلاثمائة مليون مواطن في تلك البقاع عادوا إلى اللغة التركية حدث ذلك دون أن تطلق تركيا رصاصة واحدة.
أمس الأول تحدث وزير الثقافة عن تدشين قناة فضائية جديدة متخصصة في بث التراث السوداني.. قبل أشهر كان وزير الثروة الحيوانية ينقل لنا عزم وزارته تدشين قناة مماثلة.. بالطبع هنالك قنوات أخر في الطريق مثل قناة نيالا.. وأخريات من عواصم الولايات لا يشاهدهن إلا العاملون عليها والمستفيدون من خدماتها بشكل مباشر.. في ذات الوقت بات خيار الانسحاب من المسرح أحد الخيارات الراجحة للقنوات الخاصة التي لا تتلقى دعماً حكومياً مباشراً أو غير مباشر.
لكن قبل الابحار في القضية سأسألك عزيزي المشاهد إن كنت تريد أن تتقصى أخبار الاحتجاجات الشعبية التي حدثت قبل أيام.. هل ستلجأ إلى التلفزيون الوطني..؟ أغلب الظن أنك ستبحث عن الحقيقة في قنوات خارج الحدود.. إذا كنت تظن الخير في هذه القنوات فستجدها هائمة في وادٍ بعيد إن لم تكن غارقة في الرقص والطرب.. هذا يعني أن هذه الفضائيات تعبر عن الوجدان الحكومي فقط.
النقطة الأهم أن الحكومة لا تهتم أصلاً بالإعلام.. تنفق ملايين الدولارات للتصدي لحدث معين كان بالامكان تجاوز ذلك ببعض التدابير الإعلامية التي توصل الرسالة بشكل واضح.. موزانة الإعلام القومي في حدود أربعة مليارات جنيه فقط.. لكن الأهم من ذلك في ميدان الإعلام هو الحرية.. وتكتسب الحرية قيمة إضافية في وجود آلاف الخيارات التي لا تحتاج سوى رفع (الريموت) إلى أعلى والضغط على أحد الأزرار.
في تقديري قبل أن يشرع وزير الثقافة الطيب حسن بدوي في تبديد المال العام في نزوة جديدة عليه أن يسأل نفسه لماذا أصبحت ساحة التلفزيون القومي أشبه بميدان التحرير..؟ العاملون في التلفزيون يخرجون كل بضعة أشهر في تظاهرات احتجاجية بسبب عدم صرف المستحقات المالية.. هل تحتاج الدولة إلى بنود صرف جديد في أيام المسغبة هذه..؟ بل من الأولى إعادة النظر في كل القنوات الحكومية في ضوء رسالة إعلامية محددة.. من الأفضل أن يكون لنا قناة واحدة تشبهنا وتعبر عنا ويجد فيها كل سوداني منصة حرة للتعبير.. بدلاً من عشرات القنوات الحكومية التي لا تحدث أثراً في حياة الناس.
بصراحة.. مطلوب بأعجل ما تيسر إيقاف قناة التراث وغيرها من القنوات الحكومية.. وفتح الطريق أمام القطاع الخاص للتوسع في هذا المجال.. وقبل ذلك أن تبسط الحكومة الطريق أمام حركة الإبداع القائمة على حرية التعبير.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة