اذا كان للواتساب حسنة فإنه اعاد لنا جزءا من ذاكرتنا التي افسدها الزمن وهرمت واصبحت تنسى كل شيء ، ضمن رسائل الواتساب التي وصلتني مؤخرا صورة لاحدي دور السينما في مدينة مدني التي كثيرا ما شاهدنا فيها الافلام الاجنبية والعربية والهندية ، وصفقنا للكثير من المشاهد المؤثرة والمثيرة. وهذه الصورة احزنتني كثيرا ، لأن هذا المكان الذي كان يعج بالحركة والنشاط وكان يرتاده المئات بل الالاف يوميا لقضاء سهرة رائعة وقتل الملل ، تحول إلى اطلال ، واصبح مهجورا ، وقد بنى فيه العنكبوت ونبتت فيه الاعشاب ، وسألت نفس كيف هذا المعلم الحضاري والثقافي يحول إلى خرابة ، ومن هو السبب في ذلك ؟
وهل السينما حرام ، لا اظن ذلك لأن السينما تسمح لك بقضاء لحظات رائعة وتنهل من الثقافة وتكون قد قرات رواية لم تتح لك الظروف بالاطلاع عليها في الكتاب ، وقضيت اكثر من ثلاث او اربع ساعات من يومك بعيدا عن القلق والفراغ الذي كان بالامكان أن يقود الكثير من الشباب إلى المخدرات او التفكير في اشياء خطيرة لايحمد عقباها.
واعلان اين تسهر هذا المساء الذي يظهر في صحيفتي الايام والصحافة وكان اهم مورد للصحف لأن الجميع كانوا يرغبون في معرفة ما تعرضه دور السينما في العاصمة المثلثة ، من افلام اجنبية وعربية وهندية ، حتى الواحد فينا يعرف اين يذهب ، وكانت دور السينما تعرض احدث الافلام التي تنتج في شتى انحاء العالم ، مع ترجمة خوري وعبيد على ما ظن واتمنى الا تخني الذاكرة . دور السينما في شتى انحاء السودان كانت مراكز للثقافة والتنوير ، ويرتادها الالاف يوميا من اجل الاستمتاع بمشاهدة الافلام وقضاء اوقات بريئة بعيدا عن أي تفكير في أي شيء آخر.
و حكمة الله سبحانه وتعالى ان الافلام الهندية كانت تحظى بنسبة مشاهدة عالية جدا حيث ان الذين ينتظرون اكثر من الذين داخل القاعة ، فهؤلاء لايذهبون إلى بيوتهم بل ينتظرون الدور الثاني (العرض الثاني) . وكان الجميع ممن يرتادون دور السينما للاستمتاع بالأفلام وقضاء اوقات فراغهم مع الاصدقاء والعائلة ،وقد اسهمت السينما في نشر الثقافة والاستنارة بين الناس ، وكانت موزعة بصورة جغرافية في مختلف احياء العاصمة المثلثة وغيرها من المدن السودانية ، حيث تدخل ضمن الخطة الاسكانية.
وعلى الرغم من انتشار القنوات الفضائية والانترنت ويوتيوب وغيرها من المواقع التي تعرض احدث الافلام الا ان السينما ما زالت هي الاساس لعرض احدث الافلام ثلاثية الابعاد ورباعية الابعاد وغيرها من احدث اساليب العرض التي تجتذب رواد السينما. وعلى الرغم من أني كنت استغرب ازدحام دور العرض في مختلف دول العالم ، الا اني في يوم من الايام دخلت احد دور السينما بالصدفة ، وفعلا بالصدفة ، لكن صدقوني استمتعت كثيرا ورأيت مدى سعادة هؤلاء الجالسين في القاعة وهم يتجاوبون مع العرض يضحكون كثيرا ، وأنا متأكد انهم قضوا لحظات رائعة ، خالية من التدخين ، والملل والتفكير في اشياء سالبة مثل ندب الحظ او التفكير في ارتكاب جريمة او أي عمل من الممكن ان يخل بالامن.
ونقول للذين تسببوا في اغلاق دور السينما وربطوها بالدين ، عليهم التفكير مرة أخرى إن السينما او الفن السابع ، فن راق ومتطور ولا اظن اذا تم عرض افلام جادة ودون ابتذال والقيام بحذف المشاهد التي تتعارض مع قيمنا يكون حراما ، الفراغ هو اخطر من دخول دور السينما ، لأن الفراغ يدعو للمخدرات ويدعو للاجرام ، الافلام السينمائية تمكنت من معالجة الكثير من الظواهر السالبة ، ومنذ البداية عندما شاهدنا افلام يوسف وهبة وكيف انها اسهمت في معالجة الكثير من العادات والتقاليد السلبية في المجتمع.
كما ان دور السينما توفر الوظائف للالاف من الشباب بصورة مباشرة وغير مباشرة ، حيث يعمل دور السينما الالاف ، بالاضافة إلى هناك من يبيع تسالي ، وهناك ومن يبيع ترمس وهناك ومن يبيع سجائر وآخر ودعماري وتبش بشطة ومطاعم ومقاهي وكافتيريات تقدم الطعام والعصير للرواد. وكذلك تنشيط حركة المدينة حتى منتصف الليل وكذلك توفر الموصلات التي تنتظر رواد السينما وهذا وظائف تفتح الكثير من البيوت وتستوعب الالاف من الشباب الباحث عن عمل.
ارجو اعادة التفكير في اعادة فتح دور السينما حتى نحمي شبابنا من المخدرات.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة