وصلت درجة الغليان حدودها القصوى في مارس ٢٠٠٩ حينما حزم الرئيس البشير حقائبه مسافراً لدولة قطر لحضور قمة عربية.. هيئة علماء السودان حاولت تقليب صفحات التاريخ لتضع قيداً على إقدام الرئيس الذي لم يكن وجلاً.. بالفعل صدرت فتوى تمنع سفر الرئيس بسبب تهديدات المحكمة الجنائية.. الفتوى استندت على سابقة منع الخليفة الراشد أبي بكر الصديق من السفر أيام حروب الردة.. لكن الرئيس سافر إلى قطر ثم إلى ليبيا والصين وروسيا، وأخيراً ها هو يطرق أبواب حلف الناتو بوصوله إلى تركيا. القمة الإسلامية في إستانبول تمثل للبشير محطة تحدٍّ جديدة أمام الصلف الأوروبي .. من قبل تمكّن الاتحاد الأوروبي من الضغط على تركيا حتى لا يُشارك في مؤتمر القمة الاقتصادية المنعقد على التراب التركي في العام ٢٠٠٩.. ذات الضغوط تجدَّدت في نوفمبر ٢٠١٦ واعتذر الرئيس عن المشاركة في القمة الإسلامية المنعقدة في تركيا.. حدثت كل تلك الضغوط وتركيا لم توقّع على ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية.. لكن الجديد أن تركيا الآن باتت لا تأبه للضغط الأوروبي في مناخ الغضب الإسلامي .. بل إن الرئيس أوردغان سيزور الخرطوم في نهاية هذا الشهر، مما يُقدّم دليلاً على اضطراد التقدُّم في العلاقة بين أنقرة والخرطوم . هنالك مكاسب شخصية للرئيس البشير من المشاركة في قمة إستانبول تتعدى كسر الخاطر الأوروبي .. كان البشير واحداً من الزعماء الذين اتّصل بهم أردوغان عشية اعتراف إدارة ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل .. من ثمرة تلك الاتصالات جاءت فكرة القمة الإسلامية التي دعت لها تركيا بصفتها رئيساً لمنظمة المؤتمر الإسلامي.. كما أن رجب طيب أردوغان بات يُقدِّم نفسه كقائد للتحالف الإسلامي تسنده في ذلك مكانة تركيا الاقتصادية والسياسية.. وفي ذات الوقت انشغال السعودية وإيران بصراعات على الأرض. لكن هنالك بعض الشواغل التي يجب أن توضع في الاعتبار.. أصدقاء الخرطوم في تحالف حرب اليمن يرفضون الاصطفاف من خلف أوردغان في الصلاة من أجل القدس.. الإمارات العربية أوفدت وزير خارجيتها فيما السعودية قصرت تمثيلها على وزير الشؤون الإسلامية.. وكذا مصر كان تمثيلها في مستوى وزير الخارجية .. في ذات الوقت كانت إيران وقطر والكويت في كامل التمثيل في قمة إستانبول.. هنا تجد الخرطوم نفسها تنزلق يوماً بعد يوم في حلف جديد تقوده تركيا ومن بين أنشط لاعبيه قطر والتي أوفدت قبل أيام وزير ماليتها لتفقّد الخزانة السودانية الخاوية على عروشها رغم انخراط الخرطوم في الحلف الخليجي المحارب في اليمن. في تقديري أن الرئيس البشير تمكّن من توجيه لكمة قوية للمحكمة الجنائية ومن ورائها الأوروبيين الأكثر حماساً بوصوله إلى معقل حلف الناتو.. لكن في ذات الوقت ينبغي على الدبلوماسية السودانية أن تكون حذرة من الانخراط في حلف رومانسي جديد لن يمنح الخرطوم سوى الشعارات.. ما زالت المعركة طويلة ما دام اسم السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب.. هذه العُقدة لن يتم حلها إلا من واشنطن .. أفضل الوسطاء هم مصر والسعودية والإمارات.. بالتالي من الخطأ إدارة الظهر لهم في هذا التوقيت. بصراحة.. أخاف على الدبلوماسية السودانية من الحماس الزائد أو عدم القُدرة على القراءة في مناخ ضبابي.. معارك السودان الأساسية تكمُن في القدرة على إخراج وطننا من العزلة الدولية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة