الملاحظ الآن أن هناك عملية سباق محموم لإمتلاك أدوات الوعي وسط مجتمع الشباب، يقودها الشباب المثقفين، وتجمعاتهم الثقافية. مدخلات هذه العملية هي بعض التاريخ ومنتجاته الثقافية، تجارب هذا الجيل، والمنتج الثقافي الحالي إضافة الي الوعي بضرورة التغيير. تتم هذه العملية في مقابل حراك آخر وسط المجتمع نفسه، يقوده شباب_هم بالأساس ضحايا البيئة التي أوجدت لهم_هذا الحراك يمثل الإنحطاط الثقافي والفكري. مدخلات هذا الحراك هي الفراغ، الإحباط، الفشل، الهشاشة، اضافة الي ذلك الثقافة الغربية المستهلكة. كل من التوجهين تجمعهما عوامل مشتركة: * الحراكين بنفس مقدار القوة تقريبا، ربما في الوقت الحالي. * لديهما نفس الأدوات التي يستخدمانها في نشر منتجاتهم (وسائل التواصل القديمة والحديثة). * لديهم قاعدة شعبية كبيرة، الأولي التي تتشوق الي ملئ فراغها الفكري، والثانية تتوق الي أي شيئ في ظل بحثها عن لاشيئ. * وكلتا الوجهتين، وجهة الوعي ووجهة الإنحطاط، نشأتا في ظروف صعبة وتحديات عديدة أحاطت بهذا الجيل، ذلك الفراغ الفكري والثقافي الذي تمدد في المجتمع منذ زمن، والعزلة التي صنعتها الحكومات المتعاقبة بين الأجيال والأفكار. مظاهر الحراك الثقافي تتمثل في المنتديات والجمعيات الثقافية النشطة في الساحة الآن، وشباب مفكر اصبح يعي وجوده من حوله، وبرامج قيمة ومفيدة تقدم الآن في الأجهزة الإعلامية، والرغبة المحمومة في اقتناء الكتب ومناقشتها، كل ذلك يمثل جزء من مجموع تشكل الظاهرة الثقافية. أما الإنحطاط فمظاهره تكاد تكون بجحة التمظهر، وحاضرة في كل لحظة وفي كل مشهد في الحياة اليومية. نوعية الأغاني التي يستمع لها في المواصلات العامة والمطاعم، كلمات الأغاني الحديثة المبتذلة، السلوك العام الطاغي علي مشهد شارع النيل وغيره، المظهر العام المتمثل في الملبس، نوعية اللغة المتخاطب بها، حتي علي المستوي السياسي ومانشهده من لغة رخيصة متبادلة بين النشطاء، الإهتمام العام بصغائر الأمور وأتفهها، التلذذ بالتعريض بالآخرين وفضح سوءاتهم، والكثير من المظاهر الدالة علي أن الشباب يخطو نحو الإنحاط بخطي متسارعة يوم بعد يوم. أفضلهم هو من يحاول التعلق بقشور الثقافة ليشعر بالوفاء الشخصي المفقود. إن نظرية آدم اسميث (اليد الخفية) التي من شأنها إعادة التوازن الي السوق بين قانوني العرض والطلب، لاتعمل هنا. فنحن لسنا في حاجه الي خلق توازن بين الظاهرتين، بل نحن في الحقيقة نعيش الآن هذا التوازن، والتوازن بين الخير والشر يعني انتصار الشر بإمتلاكه نفس درجة الخير، وهذا اقصي مايطمح اليه. نحن بحاجة الي أن ينتصر الوعي علي الجهل الذي يقود الي الإنحطاط. للتخلص أو علي الأقل تضييق دائرة الإنحطاط، ليس علي المثقفين توسيع دائرة الثقافة الي حيز هؤلاء، لأن محاولة تثقيف الذي يعاني الإنحطاط، تعني أنك سكبت اللبن علي وعاء متسخ. عليك أن تغسل الوعاء أولا، عليك أن تسحب المجتمع أولا من قاع الإنحطاط الي سطح الوعي، الوعي بالأزمة ونتائجها. كيف ذلك؟ هذا مايجب البحث عنه وفيه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة