لم يكن أحد يتوقع أن ترتفع أسنة الرماح بين رفاق الأمس بتلك السرعة.. لكن ذلك حدث.. ألسنة اللهب صنعت واقعاً مختلفاً في جنوب السودان.. بعض منّا أصيب بالشماتة نتيجة انهيار حلم الجنوبيين بوطن مستقل.. هرعت وزميل لي إلى مسؤول إنقاذي رفيع بات في دكة المتفرجين مثلنا.. روشتة الرجل الملم بتضاريس المشهد الجنوبي أن على الحكومة أن تقف على مسافة واحدة من كل الفرقاء.. وفي ذات الوقت أن تحتفظ بقنوات تواصل مع الجميع.. كان الرجل يعتقد أن ذلك الحياد يجعل منابع النفط الجنوبي خارج حلبة الصراع.. لكن جنون الساسة لا يعرف تلك الحدود الفاصلة، وسرعان ما وصل الحريق لآبار النفط.. أصيبت جوبا بالأنفلونزا فيما كانت الخرطوم تعطس بعنف. قبل أيام كنت أتحدث مع الرئيس التنزاني الأسبق علي حسن مويني الذي زار الخرطوم قبل أيام.. الرئيس مويني كشف لي أن دولة جنوب السودان قدمت طلباً للالتحاق بمشروع اتحاد كونفيدرالي يجمع دول شرق إفريقيا.. وحسب مويني أن الاتحاد المتوقع يجمع دولة جنوب السودان، بكينيا، وبورندي، ورواندا، وأوغندا، إضافة لصاحبة الاقتراح تنزانيا.. الاقتراح كان حلماً استعمارياً استعصى تحقيقه قبل سبعين عاماً.. لكن هنالك شواهد كثيرة تعضد هذا الاتجاه.. من بين ذلك انغماس أوغندا في تفاصيل المشهد الجنوبي.. كما أن هنالك مشاريع بنية تحتية في انتظار التمويل لتربط الجنوب بكينيا وأوغندا. سيركض جنوب السودان بسرعة نحو شرق إفريقيا كلما تباطأت خطوات التواصل مع شمال السودان.. إن حدث ذلك سيتم بناء جدار إفريقي مسيحي عازل في قلب إفريقيا.. حيث لا يضم الاتحاد المقترح أياً من الدول ذات الكثافة الإسلامية الكبيرة مثل الصومال، أو السودان، أو حتى أثيوبيا.. ربما يحتاج حلم كونفيدرالية شرق إفريقيا لسنوات حتى يصبح واقعاً.. رغم ذلك هذا الاحتمال والذي من الممكن تحققه يقتضي النظر بمعايير استراتيجية من حسن الحظ أن هنالك شواهد على تحسن العلاقة مع جنوب السودان.. سفير جنوب السودان ميان دوت أعلن عن بدء ضخ النفط الجنوبي ليتجه عبر الأنابيب لبورسودان.. تفاصيل الخبر تشير إلى أن الخرطوم وجوبا اتفقتا على إعادة فتح نقاط العبور، ومن المتوقع أن يصدر السودان في المرحلة الأولى فقط نحو (٥٤) سلعة من أصل (١٧٣) أخرى يتوقع وصولها الجنوب لاحقاً من الأسواق السودانية.. هذه الجهود لعب فيها مبارك الفاضل وزير الاستثمار ونائب رئيس الوزراء جهوداً كبيرة لم تكن معروضة للإعلام. في تقديري أن هنالك مسؤولية أخلاقية للخرطوم تجاه جنوب السودان.. استقرار هذه البقعة يعود بالخير على السودان.. وفي ذات الوقت أي اضطراب هنالك ندفع نحن ثمنه أولاً.. هنالك ارتباط تاريخي طبيعي تعززه الجغرافيا والتاريخ المشترك بين الشعبين.. لهذا لا يجب النظر للعلاقة الاستراتيجية بمعايير عاطفية تشحنها لحظات الانفعال العاطفي العابرة في تاريخ الشعوب.. من المهم جداً إعادة ربط جنوب السودان بشماله.. هذا يعني أن تمتد الطرق المعبدة بين البلدين.. وان يَصْب فائض الكهرباء في غير أوقات الذروة عند إخوتنا في الجنوب.. وأن تنشط التجارة بين البلدين وتسهل حركة السكان في الذهاب والإياب. بصراحة.. من الممكن أن ينفصل الجنوب مرة أخرى.. يحدث ذلك إذا ما اختار أن يعيش في مدار بعيد وغير ملائم مع دول شرق إفريقيا.. علينا أن ننظر ببعض التروي في هذا السيناريو الذي من الممكن أن يتحقق إذا ما أهملنا الجنوب مرة ثانية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالباقي الظافر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست