الاختلاف سنة (كونية) (قدريّة)، والاجتماع سنة (شرعية) وبين السُنتين فروق مدوّنة في مباحث العقيدة الإسلامية، وإذا كان عامة الناس مخاطبين بأن يبتعدوا عن الخلاف بقدر الإمكان، ويسعوا إلى الاجتماع،
فإن المسؤولين وخاصة من تقلّدوا مناصب في الدولة وينظر إليهم الناس باعتبارهم قادة فإنهم أولى من غيرهم بإظهار الحرص على اجتماع الكلمة واتحاد الرأي والعمل مع الجماعة (حتى لا تغرق السفينة)، وحتى يسلم من اجتمعوا في مركب واحد، فإن مصير الجميع واحدٌ، والواقع أننا في الفترة الماضية أصبحنا نطلع على أخبار ملاسنات ومطاحنات بين بعض أفراد المجتمع وبعضهم هم ممن يتقلدون مناصب في الدولة !! فأخاطبهم وأخاطب عامة الناس بهذا المقال ونحن في وقت أشد ما نكون فيه حاجة لاجتماع الكلمة على الحق وتضافر الجهود والتطاوع فأقول : (الجماعة رحمة) و(الفرقة عذاب) يردد هذه العبارة وما في مضمونها أئمة الإسلام، وإن التأليف بين القلوب مهمة سامية، ونعمة من الله عظيمة كريمة، قال تعالى : «واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً»، فإن فقد الإلفة نقمة .. يحزن عليها ويتألم لفقدها ..وحيث كان التنازع والتناحر والاقتتال عقبة الفشل والهوان قال تعالى : «ولا تنازعوا فتفشلوا» .. فالافتراق مذموم والتحزب للأشخاص والجماعات ممقوت شرعاً، وعواقبه في إضعاف المسلمين لا تخفى مع ما ينتظر أهله من وعيد أخروي . والواجب الشرعي والفرض المؤكّد يقتضي أن يحرص المسلم على الاجتماع على الحق ويبغض ويبتعد عن الفرقة، ويكون أداة من أدوات الوحدة، ويسهم بقدر جهده وطاقته في ذلك، ومن المعلوم لأولي الألباب وأهل العلم أنه لن تكون وحدة صحيحة وحقيقية إلا إذا اجتمع المسلمون على الكتاب والسنة، فإن الآراء الشخصية والانفعالات العاطفية والولاءات السياسية والمصالح الدنيوية لا تجمع شملاً ولا توحّد صفاً ولا تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً ؛ بل هي من أبرز أسباب الفرقة التي يعيشها المسلمون ومن أهم أسباب الضعف والهوان، فإن حال الأحزاب السياسية والفرق كما وصف الله تعالى : «كل حزب بما لديهم فرحون» .. فإن السياسة نراها تتقلّب وتدور مع المصالح الشخصية والأغراض الدنيويّة والتكتيكات الحزبية، ونرى أهلها يدورون في فلك القاعدة الخطيرة (الغاية تبرر الوسيلة) !! فالغاية تبرر لهم الوسائل مهما كانت تلك الوسائل، ولذلك فإنه من المؤسف أن يكون العرف في كثير من بلاد المسلمين أن تسهم ما يسمى بــ (المعارضة) في إضعاف الدولة وتفرح لدمار بلادها وسوء حالها وضياع أهلهم؛ فقد تسهم في ذلك الدمار بطريق مباشر أو غير مباشر !! لأن ذلك سيكون من أسباب وصول تلك المعارضة إلى الحكم !! بل قد يكون – أحياناً - بفهمها هو الطريق (الوحيد) للظفر بالسلطة التي أصبحت غاية عند أهل السياسة وليست وسيلة عظيمة المسؤولية. وكم من بلاد عانى أهلها وضاقت سبل العيش على شعوبها بسبب تصرفات بعض أهلها، وهذا الأمر يبين بجلاء أن الهدف من الحكم عند هؤلاء ليس هو كونه وسيلة لإسعاد الشعوب والوقوف معها ونصرة قضاياها والاجتهاد في أداء حقوقها، وإنما الهدف هو المصالح الشخصية والحزبية لتلك الأحزاب، ولست بحاجة لأن أضرب أمثلة أوضح بها ما أقول فإن هذه الحقيقة – للأسف – أوضح من أن يستشهد لها وتضرب لها الأمثلة. إن من أهم عناصر تحقيق وحصول الاجتماع أن يتم التنازل للمصلحة العامة، وتُرمى المصالح الخاصة والشخصية، وهذا محكٌ من المحكّات المهمة التي يجب رعايتها، فالمصلحة العامة إذا روعيت وقُدّمت كان هذا من أهم الأسباب المعينة على اجتماع الشمل وجمع الكلمة، ويسجل لنا التاريخ الإسلامي روائع في هذا الباب، وهو بلا شك مقام عظيم شريف يبين مكانة وشرف تقديم المصلحة العامة على المصالح الخاصة، وقد يصعب على كثير من الناس أن يحذوا هذا الحذو بسبب تفاوت الديانة والإيمان والعلم، وبسبب الركون إلى الدنيا وعقد الولاء والبراء على الفرق والأحزاب والتكتلات السياسية .. وغير ذلك من الأسباب .. لكن واجب النصيحة يوجب أن يقال هذا الكلام، فلم نتعلم اليأس - ولله الحمد -، ومحبة للخير لهذا البلد الكريم - الذي كثرت مصائبه وتواصل نزْفه المؤلم الموجع واشتدت معاناة أهله ،أردت أن أقول ذلك. إن على الجميع إدراك أهمية الحرص على المصلحة العامة والعلم بمكانة الاجتماع وفضل الجماعة وليراجع الجميع مواقفهم ولينظروا في واقع بلادهم وليتفكروا في مستقبلها ومستقبل أهلها وما ستكون عليه أجيالها المتعاقبة. إن المعلوم في دين الإسلام أن الشخص يكون واحداً من اثنين إما : إماماً حاكماً (راعياً) وإما محكوماً من الرعية، وعلى الحاكم واجبات وله حقوق، وعلى الرعية واجبات ولهم حقوق، وعلى الحاكم واجبات يسأله عنها الله تعالى من الحكم بالشرع والعدل بين الرعية وغير ذلك، وعلى الرعية السمع والطاعة في طاعة الله تعالى، والنصوص الشرعية في ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم كثيرة جداً وقد كتبت مقالات عديدة في هذه القضية. إن من التوفيق الحث على الاجتماع ونبذ الفرقة وأسبابها وكيف لا يُذكّر بهذا الأمر العظيم وهو أصل من أصول الإسلام العظام : أن الفرقة مذمومة والاجتماع يجب أن يجتهد في تحقيقه، ولن يكون اجتماع إلا على الحق، وعلى ما جاءنا في شريعة الله في الكتاب والسنة وعلى هدي محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الصراط المستقيم .. الذي أوجب الله اتباعه، وندعو في كل ركعة فنقول «اهدنا الصراط المستقيم» .. وقد حذّر الله تعالى من اتباع السبل والطرق قال الله تعالى : «وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلك تتقون». أتمنى أن يدرك كل من يعنيهم الأمر في بلادنا أين وكيف يكون الخير لأنفسهم ولدينهم ووطنهم .. ويعملوا بذلك .. وأرجو أن يحفظ كل صاحب تصريح تصريحه حتى يدرك العواقب ويعلم المآلات التي تترتّب على ذلك، والأمر كله بيد الله المالك المتصرّف فهو المستعان و(لا حول ولا قوة إلا بالله) ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة