أستغرب جداً من ذاك (الصدق الدَّجال) الذي يتلألأ في عيون بعض منسوبي المؤتمر الوطني الذين تم إستضافتهم في كثير من الفضائيات العربية إبان إندلاع ثورة الشباب المقدسة ، وهم يعترضون قبل كل شيء عن ما يسمونه (إقصائية) الثورة ، ويقصدون بذلك ما يمكن أن يكون مضموراً في صدور الثوار وقيادتهم من إتجاهات تفيد عدم السماح أو الترحيب بالإسلاميين كشركاء في نظام ديموقراطي جديد يتم تأسيسه عبر فترة إنتقالية ، هذا الإستغراب ينبع في داخلي من نفس الباب الذي يمنع هؤلاء إلى النظر في حالة (الإقصاء المُنظَّم) الذي مارسته الإنقاذ على مدى ثلاثون عاماً أو يزيد ضد (الآخر) والذي كان دائماً يمثل أغلبية الشعب السوداني بكافة إتجاهاتهم السياسية والثقافية والعرقية والدينية ، يتوجَّعون من آلام الإقصاء والمنع من المشاركة والتعبير عن ذاتهم الفكرية في نظامٍ (قادم ولم يأت بعد) ، يؤمِّلُ الداعون إليه أن يُبنى على العدالة والمساواة وإقامة دولة المؤسسات والقانون ، وللحقيقة فإن كل المؤمنين بالفكر الديموقراطي وأحقيته في السيادة والتعبير عن حاجيات هذا الوطن المنكوب بإجرام قلة من أبنائه العاقين يعلمون تمام العلم أن إقرار الدستور المزمع تحريره بالإجماع لا يمكن وعبر شكله ومضمونه الديموقراطي أن يمنع أياً كان من ممارسة حقوقه الدستورية وفق القانون والأنظمة والأعراف ، الديموقراطيون يا سادتي لا يخافون (الآخر) ، بل ينافسونه ويُحاجَّونه وأحياناً يعكسون إيجابياته وتارةً سلبياته ، ولأجل ذلك كان النظام الديموقراطي بما يتيحه من حريات منضبطة بالدستور والقوانين هو أكثر الأنظمة التي توفر أدوات فعَّالة لمحاربة وفضح الفساد ، ومحاسبة المقصرين والمعتدين على الحق العام ، كما يعتبر أيضاً أهم ضابط ومنظِّم لتدوال السلطة بما يحفظ السلام ويُحقِّق الإستقرار والتنمية ، هذه هي المعادلة أيها الإسلاميين ، أما الإسلام فهو ملكٌ للجميع بل وبعد أن أظهرت تجربة تطبيق الدولة الإسلامية في عهدكم الحزين كيف أن الأشخاص والمؤسسات والتوجهات والقيَّم والأخلاقيات كانت بعيدة عن جوهر الإسلام وتعاليمه وقيَّمه الروحية والواقعية ، لا مجال بعد الآن أن يسمح لكم المجتمع السياسي (بإحتكار) إسلامية المنهج ، فالرؤى في ذلك متوفِّرة ومضمونة العواقب ومتماشية بإذن الله مع مصالح البلاد والعباد ، ولكم أن تتفكَّروا في إيمان الثوار والداعين إلى دولة المؤسسات والقانون والديموقراطية حين يقفون اليوم مطالبين بحقوق شهداء ثورة الشباب المقدسة وفي مقدمتهم الأستاذ / أحمد الخير الذي أفاد في مسودات التحقيقات أنه منتمي إلى حزب المؤتمر االشعبي الذي كان في زمانٍ قريب جزء لا يتجزأ من كيانكم أو ربما مازال رغم (ضبابية) الهياكل والمسميات والنوايا والخفايا ، ما يميِّز الديموقراطيون مقدرتهم الحقيقية والمُجرَّبة في الإعتراف بالآخر وحقوقه وواجباته وإعتباره جزءاً لا يتجزأ من الحقيقة الماثلة والواقع المُعاش ، فلا حجر عليكم إن سلَّمتم (إمكانيات) السودان إلى مؤسسات االدولة المستقلة و(تحلّلتم) من مكتسبات حزبكم الماديه التي جناها جراء الإستئثار بالحكم 30 عاماً ، ثم أزعنتم لنزاهة وإستقلال وقداسة العملية الإنتخابيه ، هل إنتم على ذلك صابرون ؟!.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة