:: ليلة الأحد، أول الغيث بالخرطوم كان (غزيراً).. وكما الحال سنوياُ، فالميادين سوف تكتسي بالطحالب، و تتحول ساحات الأحياء إلى مستنقعات، وبالحدائق تعزف أوركسترا الضفادع ألحانها طوال ساعات الليل وبعض ساعات الصباح.. ومن تلك المستنقعات سوف تنتشر أسراب البعوض والذُباب، والسادة الأفندية بالمحليات كالعهد بهم دائما يتوسدون اللامبالاة ويلتحفون التجاهل، وكأن الأمر لايعنيهم أو ربما لحين تفشي الأمراض في مجتمع مرهق إقتصادياً وبالكاد أسره توفر قوت اليوم .. !!
:: الثورة لا تبرر للعاملين بالمحليات العجز عن التحسب لمخاطر الخريف، ولا غياب مجلس الوزراء والبرلمان يُبرر للعاملين بالمحليات والولايات التقوقع في محطة إنتظار الكوارث .. أجهزة الدولة المحلية والولائية بحاجة إلى من يعلمها فضيلة التحسب، أو فلنقل فضيلة (التفكير الإستباقي) .. وعلى سبيل المثال ( المطمورة)، أوعية ذات سعات مختلفة، تقف شامخة بجوار بعضها بطول جدار الحوش..!!
:: ( المطمورة)، لم تكن ترمز للثراء ، إذ هي كانت تزين حيشان كل البيوتات ( الثرية والفقيرة)، ولكنها كانت ترمز للأمن الغذائي والمخزون الإستراتيجي للأسرة.. أي، بالمطامير كانت عبقرية البسطاء تسبق موسم شح المحاصيل.. ولذلك، لم يكن موسم الجفاف يفاجئ الناس بمخاطر الجوع لحد الموت والمرض.. فالمطمورة - بكل بساطتها - كانت بمثابة تفكير إستباقي لكيفية مواجهة (أزمة مرتقبة)..!!
:: وبكردفان الكبرى، لاتعرف أجيال اليوم كيف تم تجويف أشجار التبلدي ( الوفية والأمينة)،لتحتفظ بمياه فصل الخريف في جوفها طوال فصل الصيف ؟..لا يتغير لونها ولا رائحتها ولا طعمها، بل تزداد عذوبة ونقاء لتروي عطش الأهل..بهذا التفكير الإيجابي كانت الفرقان والوديان والأرياف - بكل كثافتها السكانية - تتجاوز أزمة العطش.. ولحظة تجويف سواعد البسطاء لتلك الأشجار العظيمة هي لحظة التفكير الإستباقي لكيفية تجاوز (أزمة مرتقبة)..!!
:: وبالجزيرة وغيرها.. عندما تنثر أيدي الزراع بذور الذرة و(أب سبعين)، تكون أيدي الأبناء مشغولة تغرس منصات خشبية تحيط بها أسوار من الأشواك أو الأسلاك الشائكة، بحيث يصبح المكان آمناً لحفظ حزم سيقان الذرة بعد حصادها أو حزم أب سبعين بعد تجفيفها.. وبهذا التفكير الإيجابي تحظى الأنعام بالأمن الغذائي والمخزون الإستراتيجي .. !!
:: ولحظة تشييد المنصات والأسوار - بغرض تخزين القصب الجاف – هي لحظة التفكير الإستباقي لكيفية إدارة ( أزمة مرتقبة)..وكثيرة هي النماذج التي تعكس أن العقل الشعبي يتجاوز مخاطر الأزمات بالتفكير الإيجابي، وهو المسمى - في مراجع الإدارة - بالتفكير الإستباقي .. وهذا النوع من التفكير مفقود في الحياة العامة، ولذلك تتجلى حالياُ من مشاهد وأحوال الناس ما تبكيك دماً ودموعاً.. !!
:: وعلى كل حال، ماذا يُضير السادة بقوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين، لو بادروا بفضيلة التحسب للمخاطر والوبائيات، و شاركوا بأنفسهم - ومعاولهم - في مليونية تُزيل أنقاض المتاريس وتفتح تصاريف المياه وتدفن المستنقعات الآسنة و توُفًر الناموسيات للأسر المتعففة..؟؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة