> الحياة عند صديقي النوبي مواقف.. > ولا يقصد بالمواقف معناها المجازي..وإنما الحرفي.. > وفي سياق هذا الفهم حكى لي ما حدث له لدى زيارته البلد؛ من بعد غيبة.. > وقد كان يعشق فاتنة هناك..اسمها فاتن.. > وماتت فجأة بكامل ألقها؛ لدغتها عقرب أول المساء..ففاضت روحها أول النهار.. > فوقف كل شيء بالبلدة في ذاك اليوم..حتى تغريد الطيور.. > ولكنه فوجئ عند زيارته هذه بكل شيء يسير سيره الطبيعي..ولا ذكرى لفاتن.. > وزار (مواقف) لهما..أحدها بجوار شجرة الجميز.. > ودهش إذ رآها لا تبالي؛ وكذلك الذين هم من تحتها..والطير الذي على أغصانها.. > والنيل هناك يجري منتعشاً..كدأبه قبل موت فاتن.. > وتساءل بحيرة طفولية: كيف للبلدة - بما فيها ومن فيها - أن تكون كما كانت؟.. > وكيف للجمال..أن يظل هو الجمال..رغم موت الجمال؟.. > وكيف للمواقف أن تنسى من كانا يقفان بين أيديها..وتربت عليهما بأيدها هذي؟.. > وكاتب هذه السطور حدثت له (مواقف) مشابهة بمصر.. > وكان في زيارة للقاهرة عقب وفاة صاحب عمود (مواقف)..أنيس منصور.. > فقد أدهشه ألا يزال كل شيء كما كان.. > فالبرج هو البرج..والنيل هو النيل..والزحمة هي الزحمة..والأهرام هي الأهرام.. > والأهرام - الصحيفة - هي الأهرام..رغم غياب (مواقف).. > ولم يستطع أن يقرأ من الأهرام هذه حرفاً..فقد حل محل أنيس فاروق جويدة.. > واختفى الإدهاش..والإمتاع..والإبداع.. > وغدت المدينة التي يهواها - في نظره - غير ذات ملامح..ومعالم..و(مواقف).. > وخلال انتفاضة أبريل، ثمة (موقف)..(وقف) في ذهني.. > وذلك حين وقع بصري على امرأة اتخذت من شجرة أمام مشفى الذرة (موقفاً).. > وطفقت منه تلهب حماس الثائرين بأعلى صوتها المشروخ.. > وأطراف ثوبها الأبيض النظيف ملفوفةٌ حول خصرها النحيل؛ تحزماً..وتلزماً.. > كانت عجوزاً جميلة ؛ كجمال السودان..وفاتن.. > ومن عباراتها التي ما زلت أذكرها (ما تخافوا يا أبنائي..السودان يناديكم).. > فهل كان السودان على وشك أن يلحق بفتاة صديقي النوبي؟.. > لعلها رأت الأمر كذلك..ورأت (مايو) عقرباً.. > في حين أن (مايو) - وعبر رمزها أبي ساق - كانت ترى الثوار هم العقارب.. > وتبقى الحياة مواقف..في كل الأحول.. > بالمعنيين؛ الرمزي وفقاً للفهم السائد..والحرفي كما لدى صديقي عاشق فاتن.. > ومن لا موقف له لا وجود له..أو هو وجودٌ كعدمه.. > والمرأة صاحبة موقف شجرة المشفى ما زالت ذات وجود في ذاكرة الانتفاضة.. > وما ذاك إلا بفضل (موقفها) المجازي..المُجاز.. > بينما صاحب موقف العقارب لدغت عقربٌ نظامه أول المساء..فمات أول النهار.. > ولم يصمد إلا بمقدار صمود فاتن.. > ويبقى الفرق بينهما أن هذه ذات (مواقف)..ما زال يذكرها صديقي النوبي.. > بينما هو لا (مواقف) له !!.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة