بدأت الأم تشعر بأن هنالك أمراً مريباً في حياة طفلتها ذات العشرة أعوام.. جفون عيني الصغيرة تميل للاحمرار.. تبدو حزينة وتسرح بعيداً في كل الوقت.. أفلحت الأم أخيراً في معرفة السر.. الطفلة تتهم معلمها باغتصابها.. كان المعلم يفعل ذلك حينما تخلو المدرسة.. حينما تصرخ الصغيرة من الألم يحشو فمها بقطعة غطاء الرأس التي ترتديها الضحية.. حدثت الواقعة في إحدى مدارس شمال الخرطوم قبل سبعة أشهر.. أثبتت التحريات الطبية وقوع اعتداء جنسي على التلميذة وأحيلت الأوراق للمحكمة.. حينما سئلت الصبية لماذا صمتت ولم تبلغ أسرتها منذ الاعتداء الأول أكدت أنها كانت تخاف من العقاب البدني..(السوط) الذي يحمله المتهم أخرس صوت الضحية. أمس الأول أقر وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم بإيقاع عقوبة الجلد على التلاميذ.. وأكد فرح مصطفى خلال مخاطبته ورشة علمية أن النجاح لا يتحقق دون ترغيب أو ترهيب .. توجيه الوزير ينسف آخر صدر من ذات الوزارة في العام ٢٠١٠ يضع قيوداً على العقاب البدني في المدارس.. بل إن تبني العقاب البدني بشكل رسمي يضع بلدنا في قائمة أخرى من قوائم العنف ضد الأطفال. في إطار آخر أجبرت وزارة التربية المدارس الكنسية على إغلاق أبوابها ثلاثة أيام في الأسبوع.. تفاصيل الأمر أن هذه المدارس كانت قد استبدلت عطلة السبت لتحل محلها يوم الأحد وذلك احتراما لخصوصية يوم الأحد في الكنائس ..الوزارة أصرت على المدارس ان تتوقف عن الدراسة أيضاً خلال يوم السبت باعتباره عطلة رسمية في السودان .. على إثر ذلك باتت الدراسة أربعة أيام فقط.. رغم أن هذا القرار لا يحصنه منطق ويعرض سمعة البلاد للأذى الجسيم إلا أن وزير التربية أصر على رأيه رغم تحفظات عدد من المؤسسات الاتحادية ذات الصلة. في تقديري أن وزير التربية بالخرطوم يقود البلاد إلى ما لا يحمد عقباه .. معظم الدراسات أثبتت أن العقاب البدني القاسي يضع آثارًا سالباً على الأطفال.. بعضهم يكره المدرسة ..آخرون يتحولون إلى شخصيات عنيفة في مستقبل حياتهم..كما أن الإكراه يقتل روح الإبداع داخل الأجيال الناشئة..الأهم من ذلك أن القرار يضع بلدنا في دائرة الدول غير المتحضرة والتي تشيع العنف عبر سياسة رسمية ممنهجة. التمييز السالب على المدارس المسيحية أيضًا يوقع الضرر بسمعة بلادنا.. كما أنه يخالف أعرافاً راسخة في بلدنا ..المدارس الكنسية كانت دائماً تحترم خصوصية السودان ولم تجنح إلى التبشير أو التنصير.. لهذا السبب كانت أسر عالية الالتزام تعهد لهذه المدارس بتعليم أبنائها..لن يكون مثيرًا للدهشة أن نشير إلى أن الإمام الصادق المهدي كان يدرس بمدارس (كمبوني).. بل إن بعض هذه المدارس يتنافس على أبوابها الآن آلاف الطلاب برسوم مخفضة تناسب ومداخيل الأسرة السودانية.. حينما يصدر تقرير دولي يؤكد أن طلاب هذه المدارس لا يتمكنون من التحصيل الدراسي أسوة بالمدارس الأخرى يضع هذا الأمر دبلوماسيتنا في حرج بليغ ويضع بلادنا في قائمة الدول التي لا تحترم الحرية الدينية. بصراحة.. سلوك وزارة التربية وتغريدها خارج السرب يؤكد أن عقلية الجزر المعزولة تسود في سوداننا.. نحن في مرحلة حساسة .. قبل أيام صدر تقرير من الأمين العام للامم المتحدة يطالب بالتحقيق في انتهاك حقوق نحو (١٠٩) طفل في دارفور .. في مثل هذا المناخ الحاض على العنف يتم رسم صورة السودان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالباقي الظافر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست