إذا قمنا بجردة سريعة إلي مكوناتنا البشرية ، سنجد أننا لوحة عجيبة من الأعراق ذات الألوان المختلفة والألسن ، صنفها الخلاق العليم تبارك وعلا كأيات بينات، وجعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف وأثني علي الأكرم منا بفضيلة "التقوي".
للأسف ، في تاريخنا المعاصر علي الأقل ، لم يشهد السودان أي مظهر من مظاهر التقوي تلك ، ، فقد دخلت الكثير من القبائل المهاجرة إلي هذه البلاد من كل صوب، إما بغرض التوطين أو التجارة ولم تكن معظم تلك الهجرات إبتغاء مرضاة الله ، حيث عمل بعضها علي التنكيل بسكانها الأصليين ، قتلا وإغتصابا للأرض والعرض ولم يكن خراب " سوبا" ببعيد، وكأن فضيلة التقوي لم تكن معروفة آنذاك!!.
حتي الدعوة إلي الجهاد ضد الحكم العثماني المصري ،التي أطلقها محمد بن عبد الله المكني بـ (المهدي) عام 1881والتي جمعت جل القبائل المتواجدة علي هذه الأرض (عُرف أنها كانت تتقاتل وتتشاكس فيما بينها في أوقات كثيرة) كانت ظاهرة نادرة بحق ، أن تتجاوز كل هذه القبائل قبليتها وتتوحد إعتمادا علي الولاء الديني وقد كانت هذه "سابقة" نادرة في تاريخ السودان المعاصر للأسف، لم تكرر مرة أخري.
وإختصارا لهذا السرد الموجز ، فقد تحولت الدعوة المهدية نلك ، فيما بعد إلي "نكسات" لم نزل نذق مرارتها حتي اليوم ، فقد "كشرت" القبلية عن أنيابها ، بإستكبارها المزموم وإستعلاءها الأجوف وإدعاءتها الكاذبة وطائفيتها الإنتهازية ، التي لا تتعامل إلا بمفهوم السادة والعبيد والسبب ، أنها بجاهليتها المعهودة ، لم تضع "مزية" التقوي في حساباتها ، مما أثر سلبا علي الحياة السياسية والإجتماعية بشكل عام ، حتي أقعدها عن النهوض وظلت ، وما تزال ، تنهش في جسد هذا البلد المكلوم حتي اللحظة .
لقد بتنا نسمع مجددا، أن حروبا قبلية بدأت تشتعل مرة أخري ، من هنا وهناك ، لا لسبب إلا لأن قبائلنا كلها ، لم تتعلم بعد ثقافة " التقوي" المعروفة مصادرها ومعاييرها ، أقلها إحترام وتقدير الآخر ، نصرة الضعيف والعدل والمساواة بين الناس ، بل نستعض عن كل ذلك بهمجية مقيتة ، ديدنها الكبر والإستعلاء الأجوف علي بعضنا وإذدراء الآخر وندعي زورا أننا نحب الرسول ومع ذلك ، لا نتخلق بخلقه العظيم صلي الله عليه وسلم ، الذي أثناه به المولي عز وجل ولا نتدبر معني الآيات كي نعمل بها أو نحذر منها ، كما في قوله تعالي "إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ" غافر56.
في هذه الثورة المباركة بإذن الله ، أري أننا في مرحلة " تغيير" يفترض أن يكون جذريا ، فإما أن "نتأنق" لها ونلبسها لباس "التقوي" ونعمل بها وننشرها فيما بيننا وذلك خير وإما أن نتحسر فيما بعد ولسان حالنا يقول "يويلنا إنا كنا طاغين".
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة