مدنية / مدنية / ولكن هل تخــــلو من الأذيــــة ؟؟؟
في خضم إسقاط نظام الإنقاذ كانت هتافات الثوار من الشباب والشابات هي : ( مدنية / مدنية ) .. بطريقة ملفتة للأنظار وغير مسبوقة في انتفاضات السودان السابقة .. مطلب كان فيه الكثير والكثير من الإصرار والتمسك .. لدرجة أن أطفال السودان مازالوا منذ تلك الأحداث وحتى هذه الأيام يهتفون ويرددون عبارة ( مدنية / مدنية ) عفوياُ وهم يلهون ويلعبون .. وذلك لقوة تأثير وهيمنة ذلك الشعار الذي طبع في أذهان الصغار من قبيل التعود والإدمان .. فكان لابد من وقفة تمعن لمعرفة المقصد من ذلك الشعار (مدنية / مدنية ) .. وهنا فقط نجتهد لنؤول مفهوم ذلك المطلب ( مدنية / مدنية ) على أساس المعنى ( ديمقراطية / ديمقراطية ) .. وهو مفهوم يعني أن مطلب الشعب هو الديمقراطية التي ترفض العسكرية والديكتاتورية بأية مفهوم من المفاهيم .. ولكن مجرد مسمى الديمقراطية لا يعني الخلاص .. ولابد من تنوير الشباب والشابات بأن الديمقراطية قد تحمل الاسم ولكن هي عند التطبيق والتنفيذ قد تخيب وقد تفشل .. وليست كل الديمقراطيات هي الصالحة .. بل قد تكون ضارة ومهلكة تمثل الوبال والنكسة على أهلها وغير مستساغة إطلاقاُ في بعض الأحيان .. وهي تلك الديمقراطيات التي تماثل قطعة اللحمة التالفة المهملة الملغية على الأرض .. والتي تحتكرها جيوش النمل بحجة الأكثرية !.. وعليه يجب أن نعرف أن الديمقراطية السليمة الصحيحة تحتاج إلى بيئة سليمة تخلو من الجهل والجهلاء .. وتخلف الوعي الثقافي في مجتمع من المجتمعات يمثل عيباُ من عيوب الديمقراطية .. تلك العيوب التي تعطل الكثير والكثير من طموحات الشعوب .. كما تكبل أقدام الكثير من البلاد نحو الأمام .. وبالتالي فإن نسبة الجهل والجهلاء في بلد من البلاد ارتفاعاُ أو انخفاضاُ هي التي تحدد مقدار الفشل أو النجاح لتجربة الديمقراطية في ذلك البلد .. ومن سخرية الأحوال أن البعض من الشباب والأجيال الجديدة يظن أن أية تجربة سياسية تحمل مسمى ( الديمقراطية ) هي تلك الناجحة مائة في المائة !.. وهي تلك التي تحقق أمنيات وأحلام الشعوب .. ونقول لهؤلاء الشباب تلك فرية ما بعدها فرية .. حيث أن الكثير والكثير من تجارب الديمقراطية في الدول النامية قد فشلت بالتمام .. ومن ضمنها دولة السودان التي فشلت فيها تجربة الديمقراطية مرارا وتكراراُ .. وفي كل التجارب السابقة كانت ثمار الحصاد مريرة كالحنظل والعلقم في الحلوق .
وحتى لا تفشل تجربة الديمقراطية في الدول النامية الموبوءة بالجهل والجهلاء فإن العقلاء والحكماء في تلك الدول يلجئون للحيل والمراوغات السياسية لتفادي سيطرة أهل العقول الضحلة لساحات الديمقراطية بحجة الأكثرية .. وذلك بتخصيص دوائر انتخابية خاصة بالخريجين والمثقفين .. وكذلك بتخصيص دوائر انتخابية خاصة بأصحاب المهن والتخصصات .. وكذلك دوائر انتخابية خاصة بنقابات العمل والعمال .. وتخصيص دوائر خاصة للمرأة .. وتلك المحاولات هي مجرد محاولات لاتقاء الفشل لتجربة الديمقراطية في البلاد النامية .. وهي محاولات من العقلاء قد تحقق قدراُ ولو يسيراُ من النجاحات في بعض الأحيان .
أما الديمقراطية الناجحة مائة في المائة ( بمعنى النجاح التام ) فهي تلك الديمقراطية التي تمارس في الدول المتقدمة .. وهي تلك الدول التي تنعم بنسب عالية من الإنسان المثقف الواعي في مجتمعاتها .. وهي دول تقل فيها نسب الجهل والجهلاء بطريقة ملحوظة تمثل الندرة .. ومع ذلك نطلب من أطفالنا الأعزاء أن يستمروا في ترديد هتافات (مدنية / مدنية ).. وذلك من قبيل التفشي من الكمد والمعاناة التي عاشها الشعب السوداني في ظلال الديكتاتورية الظالمة التي لم تراعي الدموع !.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عمر عيسى محمد أحمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست