كان المواطن السيد صابون خارج بيته حينما داهمت قوة مسلحة المسكن المتواضع بالقرب من مدينة بورتسودان.. لاحقاً تم اعتقال السيد صابون بتهمة الاشتراك في الحملة العسكرية على مدينة أم درمان والتي نفذتها حركة العدل والمساواة المتمردة في مايو ٢٠٠٨.. خاض هذا المواطن حرباً قانونية شرسة حتى برِّئت ساحته .. بل كسب حكماً بالتعويض بعد مسار قانوني طويل.. ما الذي جعل الحكومة تخطئ في إصابة كل العدل.. قبل نهاية ذاك الشهر الدامي شكلت السلطات القضائية محاكم خاصة تحت مسمى مكافحة الإرهاب.. قضت تلك المحاكم بإعدام ثلاثين فرداً .. لم يتم التنفيذ بسبب المساومات السياسية.. لكن تلك المحاكم كانت عرضة للنقد من كثير من المنظمات العالمية المتخصصة في الدفاع عن حقوق الإنسان.
أمس الأول أصدر مولانا حيدر أحمد دفع الله رئيس القضاء، قراراً بإنشاء محاكم خاصة بالفساد وتخريب الاقتصاد الوطني.. وحسب منطوق القرار، يحق للمحكمة الخاصة فتح فروع بالولايات.. كما أجاز ذات القرار تكوين دوائر خاصة للمحكمة الخاصة في مراحل الاستئناف العليا..
بالمنطق البسيط، من الممكن أن يتم الفصل في قضية مدير بنك فيصل الإسلامي الموقوف رهن التحقيق في بضعة أشهر..فيما قتيلة المهندسين ستظل بين ردهات المحاكم لسنوات عدة.. أما إن كان النزاع على ميراث فربما يُتوفّى بعض الورثة قبل الفصل في القضية في نظام قضائي مزدحم بالمحاكم الخاصة.
لكن السؤال: لماذا الآن محاكم خاصة بالفساد.. بمعنى ما الجديد الذي جعل السلطة القضائية تًفكر بشكل استثنائي.. طوال الثلاثين عاماً الماضية تقريباً ظل الفساد مجرد شعار يُرفع.. في أول سنوات الإنقاذ تمت محاكمة الأستاذ عثمان عمر الشريف والدكتور مجذوب الخليفة في قضايا متعلقة بالفساد.. لكن الملاحظ أن الرجلين باتا من وزراء الإنقاذ ونجومها اللامعين.. بعد ذلك كان الفساد مجرد (ونسة) مجالس في أمسيات الخرطوم.. أو بعضاً من فصول الصراع السياسي تحت عنوان (خلوها مستورة).
منذ أشهر قليلة ارتفعت شعارات تعاقب المفسدين .. بعض ممن تحوم حولهم الشبهات بالثراء غير المبرر سمح لهم بالمغادرة عبر صالة كبار الزوار.. فيما آخرون ظلوا مستعصمين بالمنازل متعددة الطوابق وباردة الهواء.. بالطبع هذا لا ينفي أن هنالك من وقع في دائرة الجزاء .. في مثل هذا المناخ يُحبذ ألا تتحرك السلطة القضائية في اتجاه الشعارات السياسية.. بل من الأوفق تفعيل القانون العادي لملاحقة القطط السمان.. منذ محاكم نورنبرغ في ألمانيا بُعَيد الحرب العالمية الثانية تظل المحاكم الخاصة استثناء لا يحبذه فقهاء القانون.
في تقديري أن الحديث عن محاكم خاصة بالفساد وتخريب الاقتصاد الوطني يقتضي الإجابة على أسئلة صعبة ومعقدة.. هل كانت بلادنا خلال العقود الثلاثة الماضية مبرأة من الفساد وبالتالي لم نحتاج لمحاكم خاصة إلا في هذا الوقت.. ماذا عن القوانين العادية هل هي عاجزة عن ملاحقة المفسدين فاضطرت السلطة القضائية لإنشاء محاكم خاصة.. أما السؤال الكبير هل تتمكن الإجراءات الاستثنائية من تعقب كل اللصوص أم ستكون لها سقوفات كما في كثير من دول العالم الثالث.
بصراحة.. من الأفضل دائماً أن يكون القانون حاضراً ولا يحتاج لأي ترتيبات استثنائية.. القضاء الطبيعي والعلني قادر على تحقيق العدالة في السودان.. المطلوب فقط إرادة سياسية .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة