يرد نفر من الثوار والمراقبين الجمود البائن في التفاوض بين قوى الحراك والمجلس العسكري إلى أخطاء في التفاوض في مثل تأخر الحراك في تقديم قوائمه للفترة الانتقالية. ويفوت عليهم أن هذا التفاوض حوار مع أطرش هو المجلس العسكري. فجوهر مطلب الحراك هو رد الحكم إلى مناطه المدني وعودة الجيش، أو الجيوش، إلى الثكنات. فلا يُصَدق المجلس، من فرط تطاول عهد العسكريين بالحكم، إن هذه إرادة تاريخية لهذا الحراك ينبغي له أن يتنزل عندها بمسؤولية ونبل. وبلغ من نسيان العسكريين أن مناط الحكم مدني استنكار البشير في مغيب عصره لتحوله بالزمن إلى "مدني" بَرى الحكم (وضروراته من نقاش ومساومات) حد عسكريته الصارمة. وذلك في الكلمة التي قال فيها إنه إذا دقت المزيقه العسكرية سيطلع كل قرد مدني جبله. وهكذا طردت جدادة الثكنات جدادة البيت. وجدتُ هذه العسكرية الغليظة في كلام الفريق ركن حميدتي على أنه طارئ عليها. فسمّانا نحن معشر المدنيين من ثوار التغيير في كلمته بسلاح المدرعات ب"الناس ديل". وهذا بناء للمجهول. ومما جهله حميدتي عنا الوطنية التي هي عنواننا بلا منازع. فقال لضباط المدرعات وجنودها إنه سيتماشى معنا ويتفق طالما كنا وطنيين. كبرت كلمة صفق له الحضور. ولن يسمح لأحد أن يملى على المجلس العسكري أمراً. وسينظر في صدق وطنيتنا قبل أن يتفق معنا. وهذا عتو كبير. فكيف جاز له تفتيش وطنية من جاؤوا بمجلسه نفسه من عدم، وضرجوا صفحات التاريخ بكبرياء حشدهم الحاشد. والله ثم والله ما ارتفع علم الوطن أبدا فوق سارية مثل خفقانه فوق أعناق الثوار. والله ثم والله ما ارتفعت عقيرة بحب الوطن أبداً مثل ما انشقت به حلاقيم شباب الحراك في وصف حسين خوجلي، والله ثم والله ما عُبد الله في أرض بالسودان مثل عبادته في ساحة الحشد. فليبحث حميدتي عن رقة الوطنية، بل الخيانة، في مثل طه عثمان الحسين الذي كان أول زائر أجنبي حفه الترحاب بعد الإطاحة بالبشير. فليبحث حميدتي عن جفاف الوطنية عند غيرنا. والثورة في نظر حميدتي شغب. فمن تأبيدة العسكريين في الحكم، وتعودهم رفع السلاح في وجه الشعب لا غير، تصور مثل حميدتي بالذات أنه لا يأتي من جهة الشعب غير الشغب. وعلاجه في الدكم والدعم السريع. فلا تجد في قوله حساً بأنه مفاوض حول شأن وطني استثنائي تقاطرت له مواكب الشعب كما لم يحدث في التاريخ. فهو يتفاوض مع الحراك في الواضح من موقع ولي الأمر وبيده القوية. فليس التفاوض عنده ولادة متعسرة للاتفاقات بل "مجمجة" عاطلة أسقمته: "للصبر حدود ولا فوضى بعد اليوم". قال حميدتي إنه يريد أن يرينا من الدعم السريع ما غاب عنا في المدينة. ولا يبدو. وجاء عنه في لقاء المدرعات إنه مهمتهم هي حماية السودان. وسأكتب غداً عن مهمتنا في هذا الحراك، الذي يرجع إلى ثورة 1964 (عام ميلاد حميدتي)، وهي حماية العسكرية من نفسها بعودتها من الحكم إلى الثكنات آمنة مطمئنة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة