توقفت عند صفة "الدعاة" التي تطلق على أيامنا على رجال الوظيفة الدينية في الدولة وغيرها الذين تتجمع كتاحة عدائهم لثورة ديسمبر. واستغربت لأنهم لم يوصفوا ب"رجال الدين" التي كانت لهم قديماً. وكنا فهمنا من "الدعاة" قبلاً أنهم من تبعثهم مؤسسة دينية كالأزهر في شهر رمضان لاستنقاذ من تتهمهم برقة الدين. فالداعية بهذا المعني حالة من الوصاية على دين غيره. فكيف للرجل، أو المرأة، أن يكون داعية لقومه ممن هم على دينه. ولذا جاء في الإنجليزية في فساد الأمر "إنك كمن يبشر (بتعليم المسيح) أمام جوقة كورال". والكورال هي الجماعة التي تنشد الغناء الديني في الكنيسة. فجوقة الكورال لا تحتاج إلى مبشر بدينها الذي تصدح به في الكنيسة. وبدا لي أن غلبة إطلاق "دعاة" على "رجل دين" أثر من شبكة الدعوة الإسلامية السعودية. فقد كانت ترسل بعوث الدعاة، الذين تنشئهم في جامعاتها الدينية، إلى أنحاء العالم بوصفها القيم على الإسلام والمعنية بصحته على خطة الوهابية. وقرأت كتابات لمتاعب جمهرة المسلمين في أفريقيا مع هؤلاء الدعاة كمثل صراع جماعة الإزالة (إزالة البدع وإقامة السنة) مع الصوفية الغالبة في نيجيريا. وقرأت لمن كتب عن نزاع ضم اليدين (القبض) إلى الصدر، وهو رأي الوهابية، وإرسالهما (السدل)، وهو رأى الشيعة والمالكية التي عليها غالب مسلمي أفريقيا. والشيخ عبد الحي نتاج هذه الشبكة السعودية المُفرخة للدعاة. فالشيخ سطحي الاحتكاك بمسألة الإسلام في السودان. فقد نشأ في مصر وعاد ليدرس في إحدى المدراس المصرية ثم إلى السعودية التي تخرج من إحدى جامعاتها الدينية. وبالنتيجة خُفيت عنه مسألة الإسلام في السودان التي أوجزها الدكتور حسن الترابي في الابتلاء بالحداثة. بمعنى آخر: كيف نجمر إسلامنا من فوق اجتهاد رشيق في خضم الحداثة التي اكتنفتنا لقرون. ويستوي في مغالبة هذه المسألة الترابي والأستاذ محمود محمد طه وأستاذنا عبد الخالق محجوب ولكل شيخ طريقته. ولا تخطر هذه المسألة لعبد الحي وكثير من الدعاة لأنهم تربوا على عقلية وهابية عن رقة دين الآخرين الذين هم موضوع إصلاح وتهذيب أو تكفير. قرأت لعبد الحي كتيباً عن المرأة هو "كلمات للمرأة". والكتاب عبارة عن "رجيم" للمرأة حتى لا تتخطفها حبائل كثيرة عَدَّدها لأنه يفترض فيها السقوط. ولا يثق في أنها ستكتفي بخطاب الاسلام لها مباشرة كمُكلفة. فعبدالحي لا يري النساء إلا نمامات كاذبات لهن بهتان "في جلسات لاغية وكلمات لاهية". ويصور خروجهن للعمل العام كتزعم للمؤتمرات ويتصدرن الاحتفالات يلوحن بأيديهن ويرفعن اصواتهن. وهذا ما لن تقرأه أبداً لمثقف سوداني من أي ملة من الملل منذ عقود. ولكن تجده عند عبد الحي الغريب عن التقليد الإسلامي السوداني في الابتلاء بالحداثة. والجندر واسطة عقد هذا الابتلاء. ولبيان غربة عبد الحي عن مسألتنا الإسلامية سأعرض في غد لكلمة نعيت فيها مولانا شيخ محمد الجزولي، قاضي قضاة السودان (قضاة الشرع). ونوهت فيها باجتهاده الشرعي الرشيق الذي دخلت به النساء حرم القضاء الشرعي في النصف الثاني من الستينات. وكان مولانا رجل دين اجتهد لتوطين الحداثة في ديننا. وهو على خلاف من عبد الحي الداعية الذي امتلك ناصية الدين الصحيح في ظنه منقطعاً بتعليمه الأجنبي عن مسألة الإسلام سودانياً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة