في ذات الوقت الذي يضجُ فيه الشارع السوداني بإسم الضمير الوطني إنفعالاً ضد مجريات وتوصيات لجنة التحقيق حول فض الإعتصام ومجذرة 29 رمضان ، مازال المسئولين عن الأمن والنظام على كافة مشاربهم ومرجعياتهم مُصرين على إعتبار أمر التعبير السلمي عن الآراء أو الإعتراض بالهُتاف والخروج في الشوارع للفت أنظار (المُتلاهين) وجهات إصدار القرار معاً ، جُرماً شائناً ومُخالفة قانونية أو (سياسية) تستدعي التصدي لها بالعُنف المُفرط الذي يبدأ بالغاز المُسيل للدموع وينتهي أحياناً إما بالرصاص المطاطي أو الحيّْ ، إذا إستمر هذا المنهج وتواصلت هذه التدابير فما المغذى من إندلاع الثورة وتبشيرها بالمنهج الديموقراطي ؟.
المنهج الديموقراطي قبل أن يكون دستوراً وقانوناً هو (ثقافة) عمومية يجب أن تتلَّبس النفوس في كافة ما يقوم به الإنسان الديموقراطي من نشاطات حياتية ، بما في ذلك نشاطاته المهنية ويسانده ويساعده على ذلك الدستور ولقانون واللوائح والأعراف ، كيف للناس أن تعترف ومعها حكومتها المؤقتة الحالية (كما تدعي) بأن هذه الثورة إنقلبت على نظام إستبدادي وتتطلَّع إلى نظام ديموقراطي أهم مؤشراته حرية التعبير عن الرأي بشتى السبُل التي تكفلها الدساتير الديموقراطية وتدوِّنها المعايير الدولية لحقوق الإنسان ، وفي الوقت نفسه ما زال التعبير عن وجهة النظر جماعياً وسلمياً يمثِّل سبباً رئيسياً في بلادنا للتعرُّض للأذى وفقدان الحياة ، كيف يستقيم هذا ؟.
كيف يتوقَّع المجلس الإنتقالي أن يُصدق الناس ما يسميه (إنحيازاً) للثورة ، ولم تزل معالجاته لموضوع المظاهرات والإحتجاجات الجماهيرية لم تبارح ذات الإسلوب الذي كان يسود إبان النظام البائد أو أسوأ بكثير إذا ما نظرنا لعدد الضحايا ، أخاف أن يكون أعضاء المجلس العسكري من المعتقدين أن حدود ثورة الشباب المجيدة كانت تقف فقط عند تغيير الشخوص أو الإتجاهات السياسية أو حتى الإنتماءات الفكرية ، لذا وجب على الجميع أن يُقرَّوا ويؤمنوا بأن المطالب الأساسية للثورة ليست محاربة الكيزان أو قتل البشير أو منع التوجهات السياسية الإسلامية من المثول ، بل بالعكس من ذلك إذا ما إعتمدنا (إستباب ثقافة النظام الديموقراطي في السودان) فإن المطالب الفرعية للثورة هي أن يحصل البشير ومعاونيه من نافذي النظام البائد والمتورطين في جرائم ضد الوطن والشعب على محاكمة عادلة ونزيهة ومُعلنة عبر نظام عدلي وقضائي يتسِم بالمؤسسية ولا يلج دهاليزه إلا أصحاب الضمير والكفاءة ، وكذلك المنهج الديموقراطي لا يُبيح ولا تستوي تعاليمه مع منع أو إقصاء حزب أو توجُّه سياسي عن إبداء الرأي والمشاركة والتنافس ، لذا كان أمر إستثناء حزب المؤتمر الوطني في هذه المرحلة من ممارسة نشاطاته لأسباب تتعلِّق بمنطقيات واقعية وموضوعية أهمها أنه الحزب المعني (بالتغوُّل) على الإرادة الجماعية وأعضاءه هم فقط المتهمين بالتعدي على الحقوق العامة والخاصة ، لولا هذا المنطق الذي لا يقبل بديلاً لما قبلنا من باب إنتمائنا للمنهج الديموقراطي أيي شكل من أشكال الإقصاء لأي حزب من الأحزاب ولو كان المؤتمر الوطني .. درِّبوا عقولكم ونفوسكم على إفشاء الديموقراطية و قبول الآخر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة