لم يكُن أحد يتوقع أن يكون حل اللغز الغامض بين يدي بائع ملابس من مالطا.. لكن ذلك حدث بالفعل في حادثة إسقاط الطائرة الأمريكية فوق سماء بلدة لوكربي الاسكتلندية.. بعد عشر سنوات من العقوبات الاقتصادية الأممية اضطرت ليبيا لتسليم اثنين من مواطنيها لتتم محاكمتهما في هولندا .. تمت تبرئة خليفة فحيمة وأدانت عبد الباسط المقراحي.. لكن القضية لم تغلق بالكامل إلا بعد أن وافقت ليبيا على دفع تعويضات للضحايا بلغت نحو مليارين وسبعمائة مليون دولار. ما أن لاحت بشريات انتهاء العقوبات الأمريكية على السودان حتى قفز سؤال ثم ماذا بعد.. على إثر ذلك جاءت التساؤلات على إثر الأحكام القضائية الصادرة من محاكم أمريكية ضد السودان على مستقبل العلاقات الثنائية .. وكان عدد من الأسر الأمريكية قد رفعت قضايا ضد الحكومة السودانية باعتبارها لعبت دوراً غير مباشر في حادثتي المدمرة كول في اليمن وكذلك انفجار السفارة الأمريكية في نيروبي.. على إثر ذلك صدرت أحكام قضائية ضد الخرطوم.. بل إن بعض الأسر استلمت تعويضات بلغت نحو ثلاثة عشر مليون دولار خصمت من أموال محجوزة تخص الحكومة السودانية.. فيما لا زالت قضايا أخرى في طور التقاضي .. حيث أصدرت محكمة في يوليو الماضي حكماً يقضي بإلزام طهران والخرطوم بدفع أكثر من سبعة مليارات دولار لأسر ضحايا السفارة السابق ذكرها. لكن كيف تعاملت الحكومة السودانية مع هذا الملف الحساس.. في البداية تعاملت الدبلوماسية السودانية مع الأمر بجدية تامة.. وكلفت محامياً معروفاً للترافع عن اسم السودان.. لكن بعد أشهر تغيّرت استراتيجية الاهتمام إلى الإهمال.. لم يعد هنالك من يدافع عن سجلنا بعد أن وقعت الواقعة عاد السودان للاهتمام بالقضية وكلف محامياً معروفاً بالمهمة الصعبة .. أغلب الظن أن تبرئة ذمة السودان باتت مهمة صعبة .. وذلك لأن العدالة في أمريكا تعبر عن رؤية المجتمع .. في غياب من يدافع عن السودان تم تنميطه باعتباره بحيرة لإنتاج الإرهاب. من حسن الحظ مازال هنالك هامش من المناورة.. التفاوض المباشر مع أسر الضحايا مهم للغاية.. وحسب المستشار القانوني لسفارتنا بواشنطن من الممكن الوصول إلى تسوية مُرضية للسودان خارج قاعات المحكمة.. من المهم الوصول إلى تسوية دون الاعتراف بتحمل المسؤولية بشكل رسمي.. كثير من قضايا التعويضات يتم التوافق حولها خارج قاعات المحاكم.. لهذا من الأحوط قيام كيان شعبي للتفاوض بشكل غير رسمي.. مثل هذا التحرك سيكون له أثر حتى على مسار التفاوض السياسي بين البلدين.. أحكام القضاء في أمريكا مقدسة ولا يجرؤ سياسي لتجاوزها. في تقديري سيظل ملف الأحكام القضائية ضد السودان قنبلة موقوتة ولكنها شديدة الانفجار..عدم تسوية الملف سيجعل السودان حاضراً في سجلات العدالة الأمريكية وبالتالي تستمر الصورة النمطية السالبة لبلدنا في الذهنية الأمريكية.. كما أن وجود هذه الأحكام سيعيق أي شراكة تجارية مع أمريكا.. بل ربما يتعدى ذلك إلى مصادرة أي أموال يُشتبه في أنها تخص الحكومة السودانية. بصراحة.. أي يوم يمضي يعقّد من هذه القضية.. كلما اقترب السودان من التطبيع الكامل ارتفع ثمن التسوية.. السياسة هي حسن التدبر في مثل هذه الأحوال.. امضوا إلى التفاوض المباشر مع هذه الأسر قبل فوات الأوان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالباقي الظافر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست