سئمتُ وغيري كثيرون في أمر الخوض بما أصاب الفنون من آفات ، أهمها إنفلات أمورها المؤسسية وخروجها عن طوع الإبداع المحض إلى مستنقع الشلليات الآسن وفتح الباب لأنصاف المواهب صعوداً إلى أعلى سلم النجومية عبر الواسطة والتزلُف والتسكُع أمام أبواب مدراء البرامج بالفضائيات والإذاعات ، والذين يُعتبر معظمهم وجهاً آخر للسلاح الذي تستخدمه حكومة المؤتمر الوطني التي لا تؤمن بأهمية الفنون والثقافة وتعتبرها مجرد سقط متاع بالنسبة لإهتماماتها وأولوياتها التي تبارح مبدأ شحذ الإمكانيات و(خم) المليارات من أجل توسعة مساحات المتع الشخصية وتأمين بقاء النظام السياسي والدفاع عنه في ظل إنعدام الموارد وإنشغال الحكومة عن عجلة الإنتاج والتنمية عبر تمويل كامل وخالص من جيب المواطن البسيط الذي أصبحت تتناوشه أوجاع الجوع والفقر والمرض والعجز أمام إلتزاماته الأسرية ، وكثيراً ما تتم دعوتي في منتديات وندوات متخصصة للحديث عن الأغنية الهابطة وإنفلات أمر المفردة الشعرية الغنائية وهبوط مستوى الألحان وغياب مساهمة أصحاب العلم والمعرفة الموسيقية الذين تخرجوا من كلية الموسيقى والمسرح ليسهموا في تشذيب وتوزيع وتدوين ما يمكن أن يُنتج من فنٍ نبيل في هذه البلاد المنكوبة إن كان ذلك الفن النبيل ما زال بالفعل يُنتج ، لكني ومنذ أمدٍ قريب بدأت أعتذر عن المساهمة أو الخوض في هذا الموضوع ، لأني تلَّمست أن حديثي ووجهة نظري في أغلب الأحيان لم تكن تعجب القائمين على أمر تلك المنتديات أو ربما عرَّضتهم للحرج وربما الإيقاف عبر إحجام السلطات عن مدهم بما يُعرف بـ (التصديق) الذي لا يُفرِّق بين منتدى ولا ندوة ولا حفلة عرس ولا سماية و(لا طهور) ولا حتى مظاهرة سلمية ، إذ أنني لا أستطيع أن أتحدث عن هبوط مستوى ما يُقدم من فنون في المنابر الإعلامية السودانية في عهد الحكم الشمولي المسمى بالإنقاذ ، دون أن أُشير إلى أن ذلك تابع منطقي للحالة العامة من (الهبوط) المقدس الذي تعانيه البلاد في كافة قطاعاتها ، فالفنون والثقافة لا يمكن أن تقوم لها قائمة دون دعم وإدارة صادقة من حكومة تؤمن بالفعل برسالة الفن وأهميته في بناء الإنسان والمجتمع ، والإنسان كما نعلم أخوتي هو عماد التنمية ومعوَّل بناء الدول ، كيف لي أن أتجاوز حد المنطق لأعتقد كما يعتقد المُطبِّلون من النفعيين الجُدد ، أن حكومةً مثل حكومتنا الحالية ، عزَّ عليها أن تؤمن بحق الإنسان السوداني في أن يحيا حياةً كريمة ولو عبر بقائه في دائرة االفقر (المعقول) ، وأن لا يعجز أمام متطلباته الحياتية العادية مثل أن يعيش على الكفاف وأن يُعلِّم أبنائه وأن يحصل بيسُرٍ على الإستشفاء والدواء وأن يكون قادراً وعلى هامش الحرية الضرورية التي تحتاجها كل نفس بشريه أن يُعبِّر عن رأيه فيما يحدث حوله من (أهوال) ، كيف لي أن أعتقد أن حكومة هكذا حالها مع إنسانها أن تؤمن بحماية ودعم و توجيه إبداعاته الفنية والثقافية والفكرية ، وأن تكون حريصةً في ذات الوقت على أن لا يعلو الرخيص على النفيس في هذا المجال ، هذه الحكومة عزَّ عليها أن تتنازل للمواطن بجنيه واحد تحمله على عاتقها من مبدأ المسئولية أمام الله والوطن لصالح رغيف خبزه اليومي ، هل من المنطقي أن نُجادلها في أمر علو وإستحواذ أنصاف المواهب بفنونهم الهابطة على مرابط البث الإعلامي السوداني ؟!.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
هيثم الفضل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست