المنهج الديموقراطي في التعاطي مع مبدأ قبول الرأي الآخر من وجهة نظري ليس مُطلق ، وخطوطه الحمراء التي تفرض مناهضته أن لا يقبل تأويلاً غير إنحيازه وتأييده للفساد ودعمه لمشروع تدمير الوطن وإنتقاص كرامة إنسانه وتطلعاته المشروعة نحو الإنعتاق ، حينذاك لن يكون مصدر ما يسميه البعض (رأياً آخراً) سوى مُجرَّد (عدو) بائن العداوة ومُهدِّد واضح المعالم وسافر في نواياه الخبيثة ، ويستحق وبإسم حماية الوطن والمواطن والمصلحة القومية المقدسة أن يُمنع ويُقاوم ويُحارب ويُجرَّد من أدواته التي يستهدف بها كسر الإرادة الوطنية الشعبية ، أو مناطحة النواميس الكونية المتفق حولها إجماعاً وفي مقدمتها سريان أمر العدالة وسيادة القانون على الجميع بلا تفرقة ولا نخبوية ولا مقامات ، أقول هذا للذين يشيرون إلى حرية التعبير عن الرأي الآخر في العهد الديموقراطي الجديد في ما حدث أول أمس من تجمهُر لبعض الأرزقية والموهومين والمُغرَّر بهم أمام مبنى محاكمة الرئيس المخلوع ، حاملين صورهُ ، وهاتفين بإسمه ، ومُندِّدين بمحاكمته ومساءلته عن ما إقترفت يداه في حق السودان والشعب السوداني ، وهل يستقيم الـظِل والعودُ أعوج .
على الجميع أن يستصحبوا في إنحيازهم المبدئي تجاه أدبيات الفعل الديموقراطي ، ما يمكن أن يصنعهُ (الإفراط) والتطرُف في تقديس منهج التعبير عن الآراء (الشاذة) من مخاطر لا تُفرغ المكاسب الديموقراطية من إيجابياتها المنشودة فقط ، بل تتجاوز ذلك إلى إمكانية أن تكون معاوِّلاً قادرة على هدم البناء الوطني واللُحمة الإجتماعية ، بالإضافة إلى تهديدها لمبدأ رسوخ الكثير من القيَّم المقدسة وفي مقدمتها سيادة حكم القانون وإفشاء روح المساواة بين الجميع في المثول أمام أحكامه ، فضلاً عن إستهداف قيمة العدالة المُطلقة التي لا تقبل الإستثناءات.
أما الجانب الآخر الأكثر ظلامية في تلك الوقفة الا أخلاقية ولاشرعية ، فتتجلى في إستمرار هؤلاء (القِلة) من المناهضين للتوجه الجماهيري السائد والصامد بإذن الله على السير في نفس الدرب المشئوم الذي إنبنت عليه معايير القبول عند النظام البائد والمتمثلة في خصلة إنعدام (الحياء) والشعور بالخزي من رذالة ما يفعلون وما تفعل قيادتهم التي تتلقى في الواقع محاكماتها الأساسية من الشعب السوداني عبر ثورته عليهم وموقفه منهم والذي وصل حد الكراهية والبُغض المفرط ، ووفق الدلائل التي لا تحتاج إلى إثبات فيما إقترفوا من موبقات كان أهمها إزهاق أرواح الشرفاء بالباطل وإزكاء الحروب بكل أوزارها ومواجعها طلباً للسلطة وإستمرار الجاه ، وبناء منظومة من الفساد المُمنهج أهلكت حقوق البلاد والعباد ، ثم تحويل البلاد أمام المجتمع الإقليمي والدولي إلى مُجرَّد مؤسسة تسوَّلية تستجدي الهبات والصدقات ، وغير ذلك الكثير ، ثم بعد كل هذا لا يوجد لدى هؤلاء وازعٌ من ضمير ولو من باب النقد الذاتي يدفعهم إلى (نفض أيديهم) عن البشير وأمثاله ، حتى يتسنى لهم في مُقبل الأيام أن يقولوا أن ما ضرَّ تطبيق منهجهم في الواقع كان بأيدي من يُحاكمون الآن بالجرم المشهود ، لقد حق عليهم المثل السوداني القائل (مَرْمي الله ما بِترَفِع).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة