كعادة ما تُعانيه قضايانا المُلِّحة من إهمال ، ثم إحتيال ، ثم إغتيال ، تلاشت عن الوجود كل الأصوات التي إشعلت الأسافير والمنابر الإعلامية حينما طفت على سطح الركود البغيض قضية سواكن آناء زيارة آردوغان الأخيرة للسودان ، وللحقيقة فإن سواكن في عمق وجودها الحضاري الذي يُعبِّر عن (بعض) هويتنا التاريخية والثقافية هي التي نقصدها في هذا المقال ، لأن الكثيرين آنذاك وحين أعلن رئيس الجمهورية إعطاء تركيا حق ترميمها وإعادتها سيرتها الأولى ، إنبرت معظم الواجهات الإعلامية الإقليمية والعالمية للبحث في الأسرار السياسية والإستراتيجية التي تم بموجبها التخطيط لمنح سواكن لتركيا وإعطائها حق إدارتها وإنمائها ، لكن منظورنا اليوم لقضية سواكن يتجاوز مفاهيم الإستراتيجيات السياسية والعسكرية وحتى الفكرية ، ليصل إلى مصاف الرغبة الجمعية لمجمل أهل السودان في أن تعود سواكن مرةً أخري إشارة من إشارات الحضارة السودانية وسجلاً من سجلاتها التاريخية فيما يختص بعلاقاتنا القديمة مع المحيط الإقليمي والدولي ، ففي سواكن توجد الكثير من المؤشرات العمرانية والتخطيطية والهندسية التي تنتمي إلى عُدة حضارات سابقة طالما كان تأثيرها واضحاً في كثير من المناطق المهمة والإستراتيجية في العالم والتي كان من ضمنها مدينة أوجزيرة سواكن ، فهي أي سواكن ورغم صغر مساحتها كانت مثار أطماع الرومانيين والهكسوس والبربر وأخيراً العثمانيين والإنجليز ، لذا فإن إرثها المعماري الذي تهدَّم معظمه أو كاد ، يُعتبر متحفاً عالمياً ثميناً وغنياً بالتفاصيل التي تُعبَّر عن مراحل زمنيه تمثِّل العديد من الحضارات التي تداخلت مع سواكن أو إستعملتها وأدارتها عبر الإحتلال العسكري أو الإتفاقيات السياسية أو حتى أعمال التبادل التجاري الدولي ، ومن هذا المنبر ألفت أنظار القائمين على أمر إعادة ترميم وبناء سواكن الجديدة بواسطة الأيدي التركية ، إلى أهمية أن يُشركوا في هذا العمل الوطني الهام قدماء المعماريين والمهندسين السودانيين بالإضافة إلى قدامى الأثريين الذين شاهدوا بأعينهم آخر ما كانت عليه الحقيقة المعمارية لمدينة سواكن ، حتى نستطيع بوجودهم مع الكادر الأجنبي أن نضمن إعادة البناء والترميم بنفس الأدوات والتفاصيل القادرة على التعبير عن الهوية الحضارية لسواكن ، فالمقصود في نهاية الأمر ليس إعادة بناء ما تهدَّم كيفما إتفق ، ولكن المطلوب هو الترميم تحت قيد الإلتزام بالهوية التاريخية والثقافية لحالة المعمار في مدينة سواكن ، وقد علمتُ من بعض المختصين من المعماريين المُتحسَّرين أن ما تم إنجازه حتى الآن من ترميمات بواسطة الأتراك فيه تجاوزات كثيرة وكذلك إختصارات وإضافات لا تمُت إلى واقع ما كان عليه أمر المعمار في سواكن ، وعلى سبيل المثال مبنى الجمارك التاريخي في سواكن والذي تم الإنتهاء من ترميمه وإعادة تأهيله ولكن دون إلتزام بالملامح التاريخية الأساسية لذلك المبنى الإستراتيجي في سواكن ، حيث تم تعديل سقفه الهرمي المُحدَّب على النظام الإنجليزي إلى سقف عادي مثله مثل ما يُعمل به في سائر المدن الآن ، يا هؤلاء إذا كانت فرصة الإمكانيات المادية والفنية مُتاحة عبر التمويل التركي لإعادة ترميم سواكن ، فليس على الأقل من التمسُّك بالتفاصيل والمواصفات التي تتيح لنا عدم التضحية بهويتنا الحضارية والثقافية المُتجذِّرة في المعمار السواكني ، وإلا فلا لوم على الأتراك إن ركَّزوا في ذلك على المبالغة والإستزادة من الإشارات المُتكرِّرة والمُعبِّرة عن حضارة الحقبة العثمانية مع طمس مُتعمَّد لملامح حضارية أخرى كانت ماثلة في معمار وهندسة سواكن .. اللهم هل بلَّغت .
03-25-2018, 01:05 PM
AMNA MUKHTAR AMNA MUKHTAR
تاريخ التسجيل: 07-31-2005
مجموع المشاركات: 13702
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
هيثم الفضل
AMNA MUKHTAR
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست